وتفرع على قولهم التصميم على تكذيبهم إياهما المحكي بقوله (فَكَذَّبُوهُما) ، أي أرسى أمرهم على أن كذبوهما ، ثم فرّع على تكذيبهم أن كانوا من المهلكين إذ أهلكهم الله بالغرق ، أي فانتظموا في سلك الأقوام الذين أهلكوا. وهذا أبلغ من أن يقال : فأهلكوا ، كما مر بنا غير مرة.
والتعقيب هنا تعقيب عرفي لأن الإغراق لما نشأ عن التكذيب فالتكذيب مستمر إلى حين الإهلاك.
وفي هذا تعريض بتهديد قريش على تكذيبهم رسولهم صلىاللهعليهوسلم لأن في قوله : (مِنَ الْمُهْلَكِينَ) إيماء إلى أن الإهلاك سنة الله في الذين يكذبون رسله.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩))
لما ذكرت دعوة موسى وهارون لفرعون وملئه وما ترتب على تكذيبهم من إهلاكهم أكملت قصة بعثة موسى بالمهم منها الجاري ومن بعثة من سلف من الرسل المتقدم ذكرهم وهو إيتاء موسى الكتاب لهداية بني إسرائيل لحصول اهتدائهم ليبني على ذلك الاتعاظ بخلافهم على رسلهم في قوله بعد ذلك (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) [المؤمنون : ٥٣] فإن موعظة المكذبين رسولهم بذلك أولى. وهنا وقع الإعراض عن هارون لأن رسالته قد انتهت لاقتصاره على تبليغ الدعوة لفرعون وملئه إذ كانت مقام محاجّة واستدلال فسأل موسى ربه إشراك أخيه هارون في تبليغها لأنه أفصح منه لسانا في بيان الحجة والسلطان المبين.
والتعريف في (الْكِتابَ) للعهد ، وهو التوراة.
ولذلك كان ضمير (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ظاهر العود إلى غير مذكور في الكلام بل إلى معلوم من المقام وهم القوم المخاطبون بالتوراة وهم بنو إسرائيل فانتساق الضمائر ظاهر في المقام دون حاجة إلى تأويل قوله : (آتَيْنا مُوسَى) بمعنى : آتينا قوم موسى ، كما سلكه في «الكشاف».
و (لعل) للرجاء ، لأن ذلك الكتاب من شأنه أن يترقب من إيتائه اهتداء الناس به.
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠))
لما كانت آية عيسى العظمى في ذاته في كيفيّة تكوينه كان الاهتمام بذكرها هنا ، ولم