بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة».
وقال أبو مسعود الأنصاري : لما أمرنا بالصدقة كما نحامل فيصيب أحدنا المد فيتصدق به. ومما يشير إلى معنى هذه الآية قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) [الإنسان : ٨ ـ ١٠] الآيات.
وخبر (إِنَ) جملة (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ).
وافتتح باسم الإشارة لزيادة تمييزهم للسامعين لأن مثلهم أحرياء بأن يعرفوا.
وتقدم الكلام على معنى (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) آنفا.
ومعنى (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أنهم يتنافسون في الإكثار من أعمال الخير ، فالسبق تمثيل للتنافس والتفاوت في الإكثار من الخيرات بحال السابق إلى الغاية ، أو المعنى وهم محرزون لما حرصوا عليهم ، فالسبق مجاز لإحراز المطلوب لأن الإحراز من لوازم السبق.
وعلى التقديرين فاللام بمعنى (إلى). وقد قيل إن فعل السبق يتعدى باللام كما يتعدى ب (إلى). وتقديم المجرور للاهتمام ولرعاية الفاصلة.
(وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢))
تذييل لما تقدم من أحوال الذين من خشية ربهم مشفقون. لأنه لما ذكر ما اقتضى مخالفة المشركين لما أمروا به من توحيد الدين ، وذكر بعده ما دل على تقوى المؤمنين بالخشية وصحة الإيمان والبذل ومسارعتهم في الخيرات ، ذيل ذلك بأن الله ما طلب من الذين تقطعوا أمرهم إلا تكليفا لا يشق عليهم ، وبأن الله عذر من المؤمنين من لم يبلغوا مبلغ من يفوتهم في الأعمال عذرا يقتضي اعتبار أجرهم على ما فاتهم إذا بذلوا غاية وسعهم. قال تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ٩١].
فقوله : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) خبر مراد منه لازمه وهو تسجيل التقصير على الذين تقطعوا أمرهم بينهم. وقطع معذرتهم ، وتيسير الاعتذار على الذين هم من خشية ربهم مشفقون كقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] مع ما في ذلك من جبر