قال الهجر بضم الهاء وسكون الجيم وهو اللغو والسب والكلام السيئ. وقرأ بقية العشرة بفتح التاء من هجر إذا لغا. والجملة في موضع الصفة ل (سامِراً) ، أي في حال كونكم متحدثين هجرا وكان كبراء قريش يسمرون حول الكعبة يتحدثون بالطعن في الدين وتكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم.
[٦٨ ـ ٧٠] (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠))
الفاء لتفريع الكلام على الكلام السابق وهو قوله (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) إلى قوله (سامِراً تَهْجُرُونَ) [المؤمنون : ٦٣ ـ ٦٧]. وهذا التفريع معترض بين جملة (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) وجملة (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [المؤمنون : ٧٥].
والمفرع استفهامات عن سبب إعراضهم واستمرار قلوبهم في غمرة إلى أن يحل بهم العذاب الموعود له.
وهذه الاستفهامات مستعملة في التخطئة على طريقة المجاز المرسل لأن اتضاح الخطأ يستلزم الشك في صدوره عن العقلاء فيقتضي ذلك الشك السؤال عن وقوعه من العقلاء.
ومآل معاني هذه الاستفهامات أنها إحصاء لمثار ضلالهم وخطئهم ولذلك خصت بذكر أمور من هذا القبيل. وكذلك احتجاج عليهم وقطع لمعذرتهم وإيقاظ لهم بأن صفات الرسول كلها دالة على صدقه.
فالاستفهام الأول : عن عدم تدبرهم فيما يتلى عليهم من القرآن وهو المقصود بالقول أي الكلام ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) [النساء : ٨٢]. والتدبر : إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له. وأصله أنه من النظر في دبر الأمر ، أي فيما لا يظهر منه للمتأمل بادئ ذي بدء. وقد تقدم عند قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) في سورة النساء [٨٢].
والمعنى : أنهم لو تدبروا قول القرآن لعلموا أنه الحق بدلالة إعجازه وبصحة