بالذكر إعراضهم عنه. والمعنى : أرسلنا إليهم القرآن ليذكّرهم.
وقيل : إضافة الذكر إلى ضميرهم معنوية ، أي الذكر الذي سألوه حين كانوا يقولون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [الصافات : ١٦٨ ، ١٦٩] فيكون الذكر على هذا مصدرا بمعنى الفاعل ، أي ما يتذكرون به. والفاء على هذا الوجه فاء فصيحة ، أي فها قد أعطيناهم كتابا فأعرضوا عن ذكرهم الذي سألوه كقوله تعالى : «لو أن عندنا ذكرا من الأولين (أي من رسل قبل محمد صلىاللهعليهوسلم) لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به» ، وقول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسان |
وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) [المائدة : ١٩].
والتعبير عن إعراضهم بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات إعراضهم وتمكنه منهم. وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بذكرهم ليكون إعراضهم عنه محل عجب.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢))
(أم) عاطفة على (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) [المؤمنون : ٧٠] وهي للانتقال إلى استفهام آخر عن دواعي إعراضهم عن الرسول واستمرار قلوبهم في غمرة.
والاستفهام المقدر هنا إنكاري ، أي ما تسألهم خرجا فيعتذروا بالإعراض عنك لأجله شحا بأموالهم. وهذا في معنى قوله تعالى (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) [سبأ : ٤٧] على سبيل الفرض ، والتقدير : إن كنت سألتكم أجرا فقد رددته عليكم فما ذا يمنعكم من اتباعي. وقوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [القلم : ٤٦] كل ذلك على معنى التهكم. وأصرح منهما قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].
وهذا الانتقال كان إلى غرض نفي أن يكون موجب إعراضهم عن دعوة الرسول جائيا من قبله وتسببه بعد أن كانت الاستفهامات السابقة الثلاثة متعلقة بموجبات الإعراض الجائية من قبلهم ، فالاستفهام الذي في قوله (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) إنكاري إذ لا يجوز أن يصدر عن الرسول ما يوجب إعراض المخاطبين عن دعوته فانحصرت تبعة الإعراض