فلاحهم كالذي في قوله : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج : ٧٧] ، فكانوا لا يعرفون تحقق أنهم أتوا بما أرضى ربهم ويخافون أن يكونوا فرطوا في أسبابه وما علق عليه وعده إياهم ، بله أن يعرفوا اقتراب ذلك ؛ فلما أخبروا بأن ما ترجّوه قد حصل حقق لهم بحرف التحقيق وبفعل المضي المستعمل في معنى التحقق. فالإتيان بحرف التحقيق لتنزيل ترقبهم إياه لفرط الرغبة والانتظار منزلة الشك في حصوله ، ولعل منه : قد قامت الصلاة ، إشارة إلى رغبة المصلين في حلول وقت الصلاة ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أرحنا بها يا بلال» وشأن المؤمنين التشوق إلى عبادتهم كما يشاهد في تشوق كثير إلى قيام رمضان.
وحذف المتعلق للإشارة إلى أنهم أفلحوا فلاحا كاملا.
والفلاح : الظفر بالمطلوب من عمل العامل ، وقد تقدم في أول البقرة. ونيط الفلاح بوصف الإيمان للإشارة إلى أنه السبب الأعظم في الفلاح فإن الإيمان وصف جامع للكمال لتفرع جميع الكمالات عليه.
(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢))
إجراء الصفات على (الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] بالتعريف بطريق الموصول وبتكريره للإيماء إلى وجه فلاحهم وعلته ، أي أن كل خصلة من هاته الخصال هي من أسباب فلاحهم. وهذا يقتضي أن كل خصلة من هذه الخصال سبب للفلاح لأنه لم يقصد أن سبب فلاحهم مجموع الخصال المعدودة هنا فإن الفلاح لا يتم إلّا بخصال أخرى مما هو مرجع التقوى ، ولكن لما كانت كل خصلة من هذه الخصال تنبئ عن رسوخ الإيمان من صاحبها اعتبرت لذلك سببا للفلاح ، كما كانت أضدادها كذلك في قوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر : ٤٢ ـ ٤٦] على أن ذكر عدة أشياء لا يقتضي الاقتصار عليها في الغرض المذكور.
والخشوع تقدم في قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) في سورة البقرة [٤٥] وفي قوله : (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) في سورة الأنبياء [٩٠]. وهو خوف يوجب تعظيم المخوف منه ، ولا شك أن الخشوع ، أي الخشوع لله ، يقتضي التقوى فهو سبب فلاح.
وتقييده هنا بكونه في الصلاة لقصد الجمع بين وصفهم بأداء الصلاة وبالخشوع