يعرض (١) له حتى يدّعي بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل. واستهتارهم بدين الآباء الضّلّال من غير برهان ، وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة ، وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر» ا ه.
وجملة (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) معترضة تكميلا للغرض بالثناء على الله والتعريف بسعة فضله. ويفيد تأكيدا لمعنى (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ).
[٧٣ ، ٧٤] (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤))
أعقب تنزيه الرسول عما افتروه عليه بتنزيه الإسلام عما وسموه به من الأباطيل والتنزيه بإثبات ضد ذلك وهو أنه صراط مستقيم ، أي طريق لا التواء فيه ولا عقبات ، فالكلام تعريض بالذين اعتقدوا خلاف ذلك. وإطلاق الصراط المستقيم عليه من حيث إنه موصل إلى ما يتطلبه كل عاقل من النجاة وحصول الخير ، فكما أن السائر إلى طلبته لا يبلغها إلا بطريق ، ولا يكون بلوغه مضمونا ميسورا إلا إذا كان الطريق مستقيما فالنبيصلىاللهعليهوسلم لما دعاهم إلى الإسلام دعاهم إلى السير في طريق موصل بلا عناء.
والتأكيد ب (إن) واللام باعتبار أنه مسوق للتعريض بالمنكرين على ما دعاهم إليه النبي صلىاللهعليهوسلم.
وكذلك التوكيد في قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ). والتعبير فيه بالموصول وصلته إظهار في مقام الإضمار حيث عدل عن أن يقول : وإنهم عن الصراط لناكبون. والغرض منه ما تنبئ به الصلة من سبب تنكبهم عن الصراط المستقيم أن سببه عدم إيمانهم بالآخرة. وتقدم قوله تعالى : (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) في سورة الحجر [٤١].
والتعريف في الصراط للجنس ، أي هم ناكبون عن الصراط من حيث هو حيث لم يتطلبوا طريق نجاة فهم ناكبون عن الطريق بله الطريق المستقيم ولذلك لم يكن التعريف
__________________
(١) فعل ملتزم بناؤه للنائب. ومعناه لم يكن مجنونا.