منشئا أنشأ لهم السمع والأبصار ، فصاحب الصلة هو الأولى بأن يعتبر مسندا إليه وهم لما عبدوا غيره نزلوا منزلة من جهل أنه الذي أنشأ لهم السمع فأتى لهم بكلام مفيد لقصر القلب أو الإفراد ، أي الله الذي أنشأ ذلك دون أصنامكم. والخطاب للمشركين على طريقة الالتفات ، أو لجميع الناس ، أو للمسلمين ، والمقصود منه التعريض بالمشركين.
والإنشاء : الإحداث ، أي الإيجاد.
وجمع الأبصار والأفئدة باعتبار تعدد أصحابها. وأما إفراد السمع فجرى على الأصل في إفراد المصدر لأن أصل السمع أنه مصدر. وقيل : الجمع باعتبار المتعلقات فلما كان البصر يتعلق بأنواع كثيرة من الموجودات وكانت العقول تدرك أجناسا وأنواعا جمعا بهذا الاعتبار. وأفرد السمع لأنه لا يتعلق إلا بنوع واحد وهو الأصوات.
وانتصب (قَلِيلاً) على الحال من ضمير (لَكُمُ). و (ما) مصدرية. والتقدير : في حال كونكم قليلا شكركم. فإن كان الخطاب للمشركين فالشكر مراد به التوحيد ، أي فالشكر الصادر منكم قليل بالنسبة إلى تشريككم غيره معه في العبادة. وإن كان الخطاب لجميع الناس فالشكر عام في كل شكر نعمة وهو قليل بالنسبة لقلة عدد الشاكرين ، لأن أكثر الناس مشركون كما قال تعالى : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧]. وإن كان الخطاب للمسلمين والمقصود التعريض بالمشركين فالشكر عام وتقليله تحريض على الاستزادة منه ونبذ الشرك.
(وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩))
هو على شاكلة قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) [المؤمنون:٧٨].
والذرء : البث. وتقدم في سورة الأنعام [١٣٦]. وهذا امتنان بنعمة الإيجاد والحياة وتيسير التمكن من الأرض وإكثار النوع لأن الذرء يستلزم ذلك كله. وهذا استدلال آخر على انفراد الله تعالى بالإلهية إذ قد علموا أنه لا شريك له في الخلق فكيف يشركون معه في الإلهية أصنافا هم يعلمون أنها لا تخلق شيئا. وهو أيضا استدلال على البعث لأن الذي أحيا الناس عن عدم قادر على إعادة إحيائهم بعد تقطع أوصالهم.
وقوبل الذرء بضده وهو الحشر والجمع ، فإن الحشر يجمع كل من كان على الأرض من البشر. وفيه محسن الطباق.