والاستفهام تقريري ، أي أجيبوا عن هذا ، ولا يسعهم إلا الجواب بأنها لله. والمقصود : إثبات لازم جوابهم وهو انفراده تعالى بالوحدانية.
و (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) شرط حذف جوابه لدلالة الاستفهام عليه ، تقديره : فأجيبوني عن السؤال. وفي هذا الشرط توجيه لعقولهم أن يتأملوا فيظهر لهم أن الأرض لله وأن من فيها لله فإن كون جميع ذلك لله قد يخفى لأن الناس اعتادوا نسبة المسببات إلى أسبابها المقارنة والتصرفات إلى مباشريها فنبهوا بقوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إلى التأمل ، أي إن كنتم تعلمون علم اليقين ، ولذلك عقب بقوله : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ، أي يجيبون عقب التأمل جوابا غير بطيء. وانظر ما تقدم في تفسير قوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) في سورة الأنعام [١٢].
ووقعت جملة (قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) جوابا لإقرارهم واعترافهم بأنها لله. والاستفهام إنكاري إنكار لعدم تذكرهم بذلك ، أي تفطن عقولهم لدلالة ذلك على انفراده تعالى بالإلهية. وخص بالتذكر لما في بعضه من خفاء الدلالة والاحتياج إلى النظر.
[٨٦ ، ٨٧] (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧))
تكرير الأمر بالقول وإن كان المقول مختلفا دون أن تعطف جملة (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ) لأنها وقعت في سياق التعداد فناسب أن يعاد الأمر بالقول دون الاستغناء بحرف العطف. والمقصود وقوع هذه الأسئلة متتابعة دفعا لهم بالحجة ، ولذلك لم تعد في السؤالين الثاني والثالث جملة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون : ٨٤] اكتفاء بالافتتاح بها.
وقرأ الجمهور (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) بلام جارة لاسم الجلالة على أنه حكاية لجوابهم المتوقع بمعناه لا بلفظه ، لأنهم لما سئلوا ب (من) التي هي للاستفهام عن تعيين ذات المستفهم عنه كان مقتضى الاستعمال أن يكون الجواب بذكر اسم ذات المسئول عنه ، فكان العدول عن ذلك إلى الجواب عن كون السماوات السبع والعرش مملوكة لله عدولا إلى جانب المعنى دون اللفظ مراعاة لكون المستفهم عنه لوحظ بوصف الربوبية والربوبية تقتضي الملك. ونظير هذا الاستعمال ما أنشده القرطبي وصاحب «المطلع» (١) :
__________________
(١) «المطلع» تفسير للقرآن اسمه «مطلع المعاني ومنبع المباني» لحسام الذين محمد بن عثمان العليا بادي السمرقندي كان حيّا سنة / ٦٢٨ / ه.