همزات الشياطين منهم.
والهمز حقيقته : الضغط باليد والطعن بالإصبع ونحوه ، ويستعمل مجازا بمعنى الأذى بالقول أو بالإشارة ، ومنه قوله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم : ١١] وقوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة : ١].
ومحمله هنا عندي على المعنى المجازي على كلا الوجهين في المراد من الشياطين. وهمز شياطين الجن ظاهر ، وأما همز شياطين الإنس فقد كان من أذى المشركين النبي صلىاللهعليهوسلم لمزه والتغامز عليه والكيد له.
ومعنى التعوذ من همزهم : التعوذ من آثار ذلك. فإن من ذلك أن يغمزوا بعض سفهائهم إغراء لهم بأذاه ، كما وقع في قصة إغرائهم من أتى بسلا جزور فألقاه على النبيصلىاللهعليهوسلم وهو في صلاته حول الكعبة. وهذا الوجه في تفسير الشياطين هو الأليق بالغاية في قوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) [المؤمنون : ٩٩] كما سيأتي.
وأما قوله : (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) فهو تعوذ من قربهم لأنهم إذا اقتربوا منه لحقه أذاهم.
[٩٩ ، ١٠٠] (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠))
(حَتَّى) ابتدائية وقد علمت مفادها غير مرة ، وتقدمت في سورة الأنبياء. ولا تفيد أن مضمون ما قبلها مغيّا بها فلا حاجة إلى تعليق (حتى) ب (يَصِفُونَ) [المؤمنون : ٩١]. والوجه أن (حتى) متصلة بقوله (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) [المؤمنون : ٩٥]. فهذا انتقال إلى وصف ما يلقون من العذاب في الآخرة بعد أن ذكر عذابهم في الدنيا فيكون قوله هنا (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) وصفا أنفا لعذابهم في الآخرة. وهو الذي رجحنا به أن يكون ما سبق ذكره من العذاب ثلاث مرات عذابا في الدنيا لا في الآخرة. فإن حملت العذاب السابق الذكر على عذاب الآخرة كان ذلك إجمالا وكان قوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) إلى آخره تفصيلا له.
وضمائر الغيبة عائدة إلى ما عادت عليه الضمائر السابقة من قوله (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : ٨٢] إلى ما هنا وليست عائدة إلى الشياطين.