عن الآيات ومع ذلك يخرّون على تلقّيها تظاهرا منهم بالحرص على ذلك. وهذا الوجه ضعيف لأنه إنما يليق لو كان المعرّض بهم منافقين ، وكيف والسورة مكية فأما المشركون فكانوا يعرضون عن تلقي الدعوة علنا ، قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦]. وقال : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥].
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤))
هذه صفة ثالثة للمؤمنين بأنهم يعنون بانتشار الإسلام وتكثير أتباعه فيدعون الله أن يرزقهم أزواجا وذرّيّات تقرّ بهم أعينهم ، فالأزواج يطعنهم باتباع الإسلام وشرائعه ؛ فقد كان بعض أزواج المسلمين مخالفات أزواجهم في الدين ، والذّريات إذا نشئوا نشئوا مؤمنين ، وقد جمع ذلك لهم في صفة (قُرَّةَ أَعْيُنٍ). فإنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة إذ لا تقرّ عيون المؤمنين إلّا بأزواج وأبناء مؤمنين. وقد نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في العصمة بقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) [الممتحنة : ١٠] ، وقال : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) [الأحقاف : ١٧] الآية. فمن أجل ذلك جعل دعاؤهم هذا من أسباب جزائهم بالجنة وإن كان فيه حظ لنفوسهم بقرّة أعينهم إذ لا يناكد حظ النفس حظ الدين في أعمالهم ، كما في قول عبد الله ابن رواحة وهو خارج إلى غزوة مؤتة ، فدعا له المسلمون ولمن معه أن يردّهم الله سالمين فقال :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة |
|
وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا |
أو طعنة بيدي حرّان مجهزة |
|
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا |
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي |
|
أرشدك الله من غاز وقد رشدا |
فإن في قوله : حتى يقولوا ، حظا لنفسه من حسن الذكر وإن كان فيه دعاء له بالرشد وهو حظّ ديني أيضا ، وقوله : وقد رشد ، حسن ذكر محض. وفي كتاب «الجامع» من «جامع العتبية» من أحاديث ابن وهب قال مالك : رأيت رجلا يسأل ربيعة يقول : إني لأحبّ أن أرى رائحا إلى المسجد ، فكأنه كره من قوله ولم يعجبه أن يحبّ أحد أن يرى في شيء من أعمال الخير. وقال ابن رشد في «شرحه» : وهذا خلاف قول مالك في رسم