لقّاه إذا جعله لاقيا. وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف (وَيُلَقَّوْنَ) بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف المفتوحة مضارع لقي. واللّقيّ واللّقاء : استقبال شيء ومصادفته ، وتقدم في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) في سورة البقرة [٢٢٣] ، وفي قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) في سورة الأنفال [١٥] ، وتقدم قريبا قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨].
وقد استعير اللّقيّ لسماع التحية والسلام ، أي أنهم يسمعون ذلك في الجنة من غير أن يدخلوا على بأس أو يدخل عليهم بأس بل هم مصادفون تحية إكرام وثناء مثل تحيات العظماء والملوك التي يرتلها الشعراء والمنشدون.
ويجوز أن يكون إطلاق اللّقيّ لسماع ألفاظ التحية والسلام لأجل الإيماء إلى أنهم يسمعون التحية من الملائكة يلقونهم بها ، فهو مجاز بالحذف قال تعالى : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) في سورة الأنبياء [١٠٣].
وقوله : (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) هو ضدّ ما قيل في المشركين (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [الفرقان : ٦٦]. والتحية تقدمت في قوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) في سورة النساء [٨٦] ، وفي قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) في سورة يونس [١٠] ، وقوله : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) في آخر النور [٦١].
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))
لما استوعبت السورة أغراض التنويه بالرسالة والقرآن ، وما تضمنته من توحيد الله ، ومن صفة كبرياء المعاندين وتعلّلاتهم ، وأحوال المؤمنين ، وأقيمت الحجج الدامغة للمعرضين ، ختمت بأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يخاطب المشركين بكلمة جامعة يزال بها غرورهم وإعجابهم بأنفسهم وحسبانهم أنهم قد شفوا غليلهم من الرسول بالإعراض عن دعوته وتورّكهم في مجادلته ؛ فبيّن لهم حقارتهم عند الله تعالى وأنه ما بعث إليهم رسوله وخاطبهم بكتابه إلا رحمة منه بهم لإصلاح حالهم وقطعا لعذرهم فإذ كذّبوا فسوف يحلّ بهم العذاب.
و (ما) من قوله : (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ) نافية. وتركيب : ما يعبأ به ، يدل على التحقير ، وضده عبأ به يفيد الحفاوة.