قال في «الكشاف» : كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه.
وفيها من الاعتبار ما في غيرها ، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها ، ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وكلّما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأبعد من النسيان ، ولأن هذه القصص طرقت بها آذان وقرت عن الإنصات للحق فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا أو يفتق ذهنا اه.
ثم التنويه بالقرآن ، وشهادة أهل الكتاب له ، والرد على مطاعنهم في القرآن وجعله عضين ، وأنه منزه عن أن يكون شعرا ومن أقوال الشياطين ، وأمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بإنذار عشيرته ، وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ ، وما تخلل ذلك من دلائل.
(طسم (١))
يأتي في تفسيره من التأويلات ما سبق ذكره في جميع الحروف المقطعة في أوائل السور في معان متماثلة. وأظهر تلك المعاني أن المقصود التعريض بإلهاب نفوس المنكرين لمعارضة بعض سور القرآن بالإتيان بمثله في بلاغته وفصاحته وتحدّيهم بذلك والتورك عليهم بعجزهم عن ذلك.
وعن ابن عباس : أن (طسم) قسم ، وهو اسم من أسماء الله تعالى ، والمقسم عليه قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) [الشعراء : ٤]. فقال القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه. وقيل الحروف مقتضبة من أسماء الله تعالى ذي الطّول ، القدوس ، الملك. وقد علمت في أول سورة البقرة أنها حروف للتهجّي واستقصاء في التحدّي يعجزهم عن معارضة القرآن ، وعليه تظهر مناسبة تعقيبه بآية (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [الشعراء : ٢].
والجمهور قرءوا : (طسم) كلمة واحدة ، وأدغموا النون من سين في الميم وقرأ حمزة بإظهار النون. وقرأ أبو جعفر حروفا مفككة ، قالوا وكذلك هي مرسومة في مصحف ابن مسعود حروفا مفككة (ط س م).
والقول في عدم مدّ اسم (طا) مع أن أصله مهموز الآخر لأنه لما كان قد عرض له سكون السكت حذفت همزته كما تحذف للوقف ، كما تقدم في عدم مدّ (را) في (الر) في سورة يونس [١].