(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢))
الإشارة إلى الحاضر في الأذهان من آيات القرآن المنزّل من قبل ، وبيّنه الإخبار عن اسم الإشارة بأنها آيات الكتاب.
ومعنى الإشارة إلى آيات القرآن قصد التحدّي بأجزائه تفصيلا كما قصد التحدي بجميعه إجمالا. والمعنى : هذه آيات القرآن تقرأ عليكم وهي بلغتكم وحروف هجائها فأتوا بسورة من مثلها ودونكموها. والكاف المتصلة باسم الإشارة للخطاب وهو خطاب لغير معيّن من كل متأهل لهذا التحدي من بلغائهم.
و (الْمُبِينِ) الظاهر ، وهو من أبان مرادف بان ، أي تلك آيات الكتاب الواضح كونه من عند الله لما فيه من المعاني العظيمة والنظم المعجز ، وإذا كان الكتاب مبينا كانت آياته المشتمل عليها آيات مبينة على صدق الرسل بها.
ويجوز أن يكون (الْمُبِينِ) من أبان المتعدي ، أي الذي يبيّن ما فيه من معاني الهدى والحق وهذا من استعمال اللفظ في معنييه كالمشترك.
والمعنى : أن ما بلغكم وتلي عليكم هو آيات القرآن المبين ، أي البيّن صدقه ودلالته على صدق ما جاء به ما لا يجحده إلا مكابر.
(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣))
حوّل الخطاب من توجيهه إلى المعاندين إلى توجيهه للرسول عليه الصلاة والسلام. والكلام استئناف بياني جوابا عما يثيره مضمون قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [الشعراء : ٢] من تساؤل النبي صلىاللهعليهوسلم في نفسه عن استمرار إعراض المشركين عن الإيمان وتصديق القرآن كما قال تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف : ٦] ، وقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر: ٨].
و (لعلّ) إذا جاءت في ترجّي الشيء المخوف سميت إشفاقا وتوقعا. وأظهر الأقوال أن الترجي من قبيل الخبر ، وأنه ليس بإنشاء مثل التمني.
والترجي مستعمل في الطلب ، والأظهر أنه حثّ على ترك الأسف من ضلالهم على طريقة تمثيل شأن المتكلم الحاثّ على الإقلاع بحال من يستقرب حصول هلاك المخاطب إذا استمر على ما هو فيه من الغم.