آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [الشعراء : ١ ، ٢] للعلم بأن المتحدّين هم الكافرون المكذبون.
(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤))
استئناف بياني ناشئ عن قوله : (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] لأن التسلية على عدم إيمانهم تثير في النفس سؤالا عن إمهالهم دون عقوبة ليؤمنوا ، كما قال موسى (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٨٨] ، فأجيب بأن الله قادر على ذلك ، فهذا الاستئناف اعتراض بين الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى.
ومفعول (نَشَأْ) محذوف يدل عليه جواب الشرط على الطريقة الغالبة في حذف مفعول فعل المشيئة. والتقدير : إن نشأ تنزيل آية ملجئة ننزلها.
وجيء بحرف (إِنْ) الذي الغالب فيه أن يشعر بعدم الجزم بوقوع الشرط للإشعار بأن ذلك لا يشاؤه الله لحكمة اقتضت أن لا يشاؤه.
ومعنى انتفاء هذه المشيئة أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يحصل الإيمان عن نظر واختيار لأن ذلك أجدى لانتشار سمعة الإسلام في مبدإ ظهوره. فالمراد بالآية العلامة التي تدل على تهديدهم بالإهلاك تهديدا محسوسا بأن تظهر لهم بوارق تنذر باقتراب عذاب. وهذا من معنى قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) [الأنعام : ٣٥] ، وليس المراد آيات القرآن وذلك أنهم لم يقتنعوا بآيات القرآن.
وجعل تنزيل الآية من السماء حينئذ أوضح وأشدّ تخويفا لقلّة العهد بأمثالها ولتوقع كل من تحت السماء أن تصيبه. فإن قلت : لما ذا لم يرهم آية كما أري بنو إسرائيل نتق الجبل فوقهم كأنه ظلّة؟ قلت : كان بنو إسرائيل مؤمنين بموسى وما جاء به فلم يكن إظهار الآيات لهم لإلجائهم على الإيمان ولكنه كان لزيادة تثبيتهم كما قال إبراهيم (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠].
وفرّع على تنزيل الآية ما هو في معنى الصفة لها وهو جملة (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) بفاء التعقيب.