(فَسَيَأْتِيهِمْ).
و (ما) في قوله : (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) يجوز أن تكون موصولة فيجوز أن يكون ما صدقها القرآن وذلك كقوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) [البقرة : ٢٣١]. وجيء في صلته بفعل (يَسْتَهْزِؤُنَ) دون (يكذّبون) لتحصل فائدة الإخبار عنهم بأنهم كذّبوا به واستهزءوا به ، وتكون الباء في (بِهِ) لتعدية فعل (يَسْتَهْزِؤُنَ) ، والضمير المجرور عائدا إلى (ما) الموصولة ، وأنباؤه أخباره بالوعيد. ويجوز أن يكون ما صدق (ما) جنس ما عرفوا باستهزائهم به وهو التوعّد ، كانوا يقولون : متى هذا الوعد؟ ونحو ذلك.
وإضافة (أَنْبؤُا) إلى (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) على هذا إضافة بيانية ، أي ما كانوا به يستهزءون الذي هو أنباء ما سيحلّ بهم.
وجمع الأنباء على هذا باعتبار أنهم استهزءوا بأشياء كثيرة منها البعث ، ومنها العذاب في الدنيا ، ومنها نصر المسلمين عليهم (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] ، ومنها فتح مكة ، ومنها عذاب جهنم ، وشجرة الزقوم. وكان أبو جهل يقول : زقّمونا ، استهزاء.
ويجوز كون (ما) مصدرية ، أي أنباء كون استهزائهم ، أي حصوله ، وضمير (بِهِ) عائدا إلى معلوم من المقام ، وهو القرآن أو الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بأنباء استهزائهم أنباء جزائه وعاقبته وهو ما توعدهم به القرآن في غير ما آية.
والقول في إقحام فعل (كانُوا) هنا كالقول في إقحامه في قوله آنفا (كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) [الشعراء : ٥] ولكن أوثر الإتيان بالفعل المضارع وهو (يَسْتَهْزِؤُنَ) دون اسم الفاعل كالذي في قوله : (كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) لأن الاستهزاء يتجدد عند تجدد وعيدهم بالعذاب ، وأما الإعراض فمتمكّن منهم.
ومعنى (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) على الوجه الأول أن يكون الإتيان بمعنى التحقق كما في قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، أي تحقّق ، أي سوف تتحقّق أخبار الوعيد الذي توعدهم به القرآن الذي كانوا يستهزءون به.
وعلى الوجه الثاني سوف تبلغهم أخبار استهزائهم بالقرآن ، أي أخبار العقاب على ذلك. وأوثر إفراد فعل «يأتيهم» مع أن فاعله جمع تكسير لغير مذكر حقيقي يجوز تأنيثه