لأن الإفراد أخف في الكلام لكثرة دورانه.
[٧ ـ ٩] (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩))
الواو عاطفة على جملة : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) [الشعراء : ٥] ؛ فالهمزة الاستفهامية منه مقدمة على واو العطف لفظا لأن للاستفهام الصدارة ، والمقصود منه إقامة الحجة عليهم بأنهم لا تغني فيهم الآيات لأن المكابرة تصرفهم عن التأمل في الآيات ، والآيات على صحة ما يدعوهم إليه القرآن من التوحيد والإيمان بالبعث قائمة متظاهرة في السماوات والأرض وهم قد عموا عنها فأشركوا بالله ، فلا عجب أن يضلوا عن آيات صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكون القرآن منزلا من الله فلو كان هؤلاء متطلعين إلى الحق باحثين عنه لكان لهم في الآيات التي ذكّروا بها مقنع لهم عن الآيات التي يقترحونها قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٨٥] ، وقال : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ١٠١] أي عن قوم لم يعدوا أنفسهم للإيمان.
فالمذكور في هذه الآية أنواع النبات دالة على وحدانية الله لأن هذا الصنع الحكيم لا يصدر إلّا عن واحد لا شريك له. وهذا دليل من طريق العقل ، ودليل أيضا على إمكان البعث لأن الإنبات بعد الجفاف مثيل لإحياء الأموات بعد رفاتهم كما قال تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) [يس : ٣٣]. وهذا دليل تقريبي للإمكان فكان في آية الإنبات تنبيه على إبطال أصلي عدم إيمانهم وهما : أصل الإشراك بالله ، وأصل إنكار البعث.
والاستفهام إنكار على عدم رؤيتهم ذلك لأن دلالة الإنبات على الصانع الواحد دلالة بينة لكل من يراه ؛ فلما لم ينتفعوا بتلك الرؤية نزلت رؤيتهم منزلة العدم فأنكر عليهم ذلك. والمقصود : إنكار عدم الاستدلال به.
وجملة : (كَمْ أَنْبَتْنا) بدل اشتمال من جملة (يَرَوْا) فهي مصبّ الإنكار. وقوله: (إِلَى الْأَرْضِ) متعلق بفعل (يَرَوْا) ، أي ألم ينظروا إلى الأرض وهي بمرأى منهم.
و (كَمْ) اسم دال على الكثرة ، وهي هنا خبرية منصوبة ب (أَنْبَتْنا). والتقدير: أنبتنا فيها كثيرا من كل زوج كريم.