و (مِنْ) تبعيضية. ومورد التكثير الذي أفادته (كَمْ) هو كثرة الإنبات في أمكنة كثيرة ، ومورد الشمول المفاد من (كُلِ) هو أنواع النبات وأصنافه وفي الأمرين دلالة على دقيق الصنع. واستغني بذكر أبعاض كل زوج عن ذكر مميز (كَمْ) لأنه قد علم من التبعيض.
والزوج : النوع ، وشاع إطلاق الزوج على النوع في غير الحيوان قال تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) على أحد احتمالين تقدما في سورة الرعد [٣] ، وتقدم قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) في طه [٥٣].
والكريم : النفيس من نوعه قال تعالى : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الأنفال [٤] ، وتقدم عند قوله تعالى : (مَرُّوا كِراماً) في سورة الفرقان [٧٢]. وهذا من إدماج الامتنان في ضمن الاستدلال لأن الاستدلال على بديع الصنع يحصل بالنظر في إنبات الكريم وغيره. ففي الاستدلال بإنبات الكريم من ذلك وفاء بغرض الامتنان مع عدم فوات الاستدلال. وأيضا فنظر الناس في الأنواع الكريمة أنفذ وأشهر لأنه يبتدئ بطلب المنفعة منها والإعجاب بها فإذا تطلبها وقع في الاستدلال فيكون الاقتصار على الاستدلال بها في الآية من قبيل التذكير للمشركين بما هم ممارسون له وراغبون فيه.
والمشار إليه ب (ذلِكَ) هو المذكور من الأرض ، وإنبات الله الأزواج فيها ، وما في تلك الأزواج من منافع وبهجة.
والتأكيد بحرف (إِنَ) لتنزيل المتحدّث عنهم منزلة من ينكر دلالة ذلك الإنبات وصفاته على ثبوت الوحدانية التي هي باعث تكذيبهم الرسول لما دعاهم إلى إثباتها ، وإفراد (آية) لإرادة الجنس ، أو لأن في المذكور عدة أشياء في كل واحد منها آية فيكون على التوزيع.
وجملة : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) عطف على جملة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) إخبارا عنهم بأنهم مصرّون على الكفر بعد هذا الدليل الواضح ، وضمير (أَكْثَرُهُمْ) عائدإلى معلوم من المقام كما عاد الضمير الذي في قوله : (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ، وهم مشركو أهل مكة وهذا تحدّ لهم كقوله : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤].
وأسند نفي الإيمان إلى أكثرهم لأن قليلا منهم يؤمنون حينئذ أو بعد ذلك.
و (كانَ) هنا مقحمة للتأكيد على رأي سيبويه والمحققين.