ونداء الله موسى الوحي إليه بكلام سمعه من غير واسطة ملك.
جملة : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تفسير لجملة : (نادى) ، و (أَنِ) تفسيرية. والمقصود من سوق هذه القصة هو الموعظة بعاقبة المكذبين وذلك عند قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) إلى قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء : ٦٣ ـ ٦٨]. وأما ما تقدم ذلك من قوله : (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى) إلخ فهو تفصيل لأسباب الموعظة بذكر دعوة موسى إلى ما أمر بإبلاغه وإعراض فرعون وقومه وما عقب ذلك إلى الخاتمة.
واستحضار قوم فرعون بوصفهم بالقوم الظالمين إيماء إلى علة الإرسال. وفي هذا الإجمال توجيه نفس موسى لترقب تعيين هؤلاء القوم بما يبينه ، وإثارة لغضب موسى عليهم حتى ينضمّ داعي غضبه عليهم إلى داعي امتثال أمر الله الباعثة إليهم ، وذلك أوقع لكلامه في نفوسهم. وفيه إيماء إلى أنهم اشتهروا بالظلم.
ثم عقب ذلك بذكر وصفهم الذاتي بطريقة البيان من القوم الظالمين وهو قوله : (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) ، وفي تكرير كلمة (قَوْمَ) موقع من التأكيد فلم يقل : ائت قوم فرعون الظالمين ، كقول جرير :
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم |
|
لا يلفينّكم في سوأة عمر |
والظلم يعم أنواعه ، فمنها ظلمهم أنفسهم بعبادة ما لا يستحق العبادة ، ومنها ظلمهم الناس حقوقهم إذ استعبدوا بني إسرائيل واضطهدوهم ، وتقدم استعماله في المعنيين مرارا في ضد العدل (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) في البقرة [١١٤] ، وبمعنى الشرك في قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) في الأنعام [٨٢].
واعلم أنه قد عدل هنا عن ذكر ما ابتدئ به نداء موسى مما هو في سورة طه [١٢ ـ ٢٣] بقوله : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) إلى قوله : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) لأن المقام هنا يقتضي الاقتصار على ما هو شرح دعوة قوم فرعون وإعراضهم للاتّعاظ بعاقبتهم. وأما مقام ما في سورة طه فلبيان كرامة موسى عند ربّه ورسالته معا فكان مقام إطناب مع ما في ذلك من اختلاف الأسلوب في حكاية القصة الواحدة كما تقدم في المقدمة السابعة من مقدمات هذا التفسير.
والإتيان المأمور به هو ذهابه لتبليغ الرسالة إليهم. وهذا إيجاز يبيّنه قوله : (فَأْتِيا