فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] إلى آخره.
وجملة : (أَلا يَتَّقُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأنه لمّا أمره بالإتيان إليهم لدعوتهم ووصفهم بالظالمين كان الكلام مثيرا لسؤال في نفس موسى عن مدى ظلمهم فجيء بما يدل على توغّلهم في الظلم ودوامهم عليه تقوية للباعث لموسى على بلوغ الغاية في الدعوة وتهيئة لتلقّيه تكذيبهم بدون مفاجأة ، فيكون (أَلا) من قوله : (أَلا يَتَّقُونَ) مركبا من حرفين همزة الاستفهام و (لا) النافية. والاستفهام لإنكار انتفاء تقواهم ، وتعجيب موسى من ذلك ، فإن موسى كان مطّلعا على أحوالهم إذ كان قد نشأ فيهم وقد علم مظالمهم وأعظمها الإشراك وقتل أنبياء بني إسرائيل ....
ويجوز أن يكون ألا كلمة واحدة هي أداة العرض والتحضيض فتكون جملة : (أَلا يَتَّقُونَ) بيانا لجملة (ائْتِ). والمعنى : قل لهم : ألا تتقون. فحكى مقالته بمعناها لا بلفظها. وذلك واسع في حكاية القول كما في قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ١١٧] فإن جملة : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) مفسرة لجملة (أَمَرْتَنِي). وإنما أمره الله أن يعبدوا الله ربّ موسى وربهم ، فحكى ما أمره الله به بالمعنى. وهذا العرض نظير قوله في سورة النازعات [١٨] (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى).
والاتّقاء : الخوف والحذر ، وحذف متعلق فعل (يَتَّقُونَ) لظهور أن المراد : ألا يتقون عواقب ظلمهم. وتقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) في سورة الأنفال [٥٦].
ويعلم موسى من إجراء وصف الظلم وعدم التقوى على قوم فرعون في معرض أمره بالذهاب إليهم أن من أول ما يبدأ به دعوتهم أن يدعوهم إلى ترك الظلم وإلى التقوى.
وذكر موسى تقدم عند قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) في سورة البقرة [٥١]. وتقدمت ترجمة فرعون عند قوله تعالى : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) في الأعراف [١٠٣].
[١٢ ـ ١٤] (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤))
افتتاح مراجعته بنداء الله بوصف الربّ مضافا إليه تحنين واستسلام. وإنما خاف أن