وذكر هارون تقدم عند قوله تعالى : (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) في سورة البقرة [٢٤٨].
[١٥ ـ ١٧] (قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧))
(كَلَّا) حرف إبطال. وتقدم في قوله تعالى : (كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) في سورة مريم [٧٩]. والإبطال لقوله : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤] ، أي لا يقتلونك. وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤].
وقوله : (فَاذْهَبا بِآياتِنا) تفريع على مفاد كلمة (كَلَّا). والأمر لموسى أن يذهب هو وهارون يقتضي أن موسى مأمور بإبلاغ هارون ذلك فكان موسى رسولا إلى هارون بالنبوءة. ولذلك جاء في التوراة أن موسى أبلغ أخاه هارون ذلك عند ما تلقّاه في حوريب إذ أوحى الله إلى هارون أن يتلقاه ، والباء للمصاحبة ، أي مصاحبين لآياتنا ، وهو وعد بالتأييد بمعجزات تظهر عند الحاجة. ومن الآيات : العصا التي انقلبت حية عند المناجاة ، وكذلك بياض يده كما في آية سورة طه [١٧] (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) الآيات.
وجملة : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن أمرهما بالذهاب إلى فرعون يثير في النفس أن يتعامى فرعون عن الآيات ولا يرعوي عند رؤيتها عن إلحاق أذى بهما فأجيب بأن الله معهما ومستمع لكلامهما وما يجيب فرعون به. وهذا كناية عن عدم إهمال تأييدهما وكفّ فرعون عن أذاهما. فضمير (مَعَكُمْ) عائد إلى موسى وهارون وقوم فرعون. والمعية معية علم كالتي في قوله تعالى : (إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧].
و (مُسْتَمِعُونَ) أشدّ مبالغة من (سامعون) لأن أصل الاستماع أنه تكلف السماع والتكلف كناية عن الاعتناء ، فأريد هنا علم خاص بما يجري بينها وبين فرعون وملئه وهو العلم الذي توافقه العناية واللطف.
والجمع بين قوله : (بِآياتِنا) وقوله : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) تأكيد للطمأنة ورباطة لجأشهما.