ربّيتني ، إذ لا معنى للجزاء هاهنا اه. فيكون متعلقا ب (فَعَلْتُها) مقطوعا عن الإضافة لفظا لدلالة العامل على المضاف إليه. والمعنى : فعلتها زمنا فعلتها ، فتذكيري بها بعد زمن طويل لا جدوى له. وهذا الوجه في (إِذاً) في الآية هو مختار ابن عطية (١) والرضي في «شرح الحاجبية» والدماميني في «المزج على المغني» ، وظاهر كلام القزويني في «الكشف على الكشاف» أنه يختاره.
ومعنى الجزاء في قوله : (فَعَلْتُها إِذاً) أن قول فرعون (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) [الشعراء : ١٩] قصد به إفحام موسى وتهديده ، فجعل موسى الاعتراف بالفعلة جزاء لذلك التهديد على طريقة القول بالموجب ، أي لا أتهيّب ما أردت.
وجعل موسى نفسه من الضالين إن كان مراد كلامه الذي حكت الآية معناه إلى العربية المعنى المشهور للضلال في العربية وهو ضلال الفساد فيكون مراده : أن سورة الغضب أغفلته عن مراعاة حرمة النفس وإن لم يكن يومئذ شريعة (فإن حفظ النفوس مما اتفق عليه شرائع البشر وتوارثوه في الفتر ، ويؤيد هذا قوله في الآية الأخرى (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) [القصص : ١٦]) ؛ وإن كان مراده معنى ضلال الطريق ، أي كنت يومئذ على غير معرفة بالحق لعدم وجود شريعة ، وهو معنى الجهالة كقوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] فالأمر ظاهر.
وعلى كلا الوجهين فجواب موسى فيه اعتراف بظاهر التقرير وإبطال لما يستتبعه من جعله حجة لتكذيبه برسالته عن الله ، ولذلك قابل قول فرعون (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [الشعراء : ١٩] بقوله : (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) إبطالا لأن يكون يومئذ كافرا ، ولذلك كان هذا أهم بالإبطال.
وبهذا يظهر وجه الاسترسال في الجواب بقوله : (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، أي فكان فراري قد عقبه أن الله أنعم عليّ فأصلح حالي وعلمني وهداني وأرسلني. فليس ذلك من موسى مجرد إطناب بل لأنه يفيد معنى أن الإنسان ابن يومه لا ابن أمسه ، والأحوال بأواخرها فلا عجب فيما قصدت فإن الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
وقوله : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) أي فرارا مبتدئا منكم ، لأنهم سبب فراره ، وهو بتقدير
__________________
(١) إذ قال : «وقوله : إِذاً صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ» يريد أن (إذن) تأكيد دالة على الزمان وقد استفيد الزمان من قوله : فَعَلْتُها أي يومئذ.