والربّ : الخالق والسيد بموجب الخالقية.
(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧))
احتدّ فرعون لما ذكر موسى ما يشمل آباءه المقدّسين بذكر يخرجهم من صفة الإلهية زاعما أن هذا يخالف العقل بالضرورة فلا يصدر إلا من مختل الإدراك ، وكأنه رأى أن الاستدلال بخالقيتهم وخالقية آبائهم عبث لأن فرعون وملأه يرون تكوين الآدمي بالتولد وهم لا يحسبون التكوين الدال على الخالقية إلا التكوين بالطفرة دون التدريج بناء على أن الأشياء المعتادة لا تتفطن إلى دقائقها العقول الساذجة ، فهم يحسبون تكوين الفرخ من البيضة أقل من تكوين الرعد ، وأن تكوين دودة القز أدل على الخالق من تكوين الآدمي مع أنه ليس كذلك ؛ فلذلك زعم أن ادعاء دلالة تكوين الآباء والأبناء ودلالة فناء الآباء على ثبوت الإله الواحد ربّ الآباء والأبناء ضربا من الجنون إذ هو تكوين لم يشهدوا دقائقه ، والمعروف المألوف ولادة الأجنة وموت الأموات.
وأكد كلامه بحرفي التأكيد لأن حالة موسى لا تؤذن بجنونه فكان وصفه بالمجنون معرّضا للشك فلذلك أكد فرعون أنه مجنون يعني أنه علم من حال موسى ما عسى أن لا يعلمه السامعون.
وقصد بإطلاق وصف الرسول على موسى التهكم به بقرينة رميه بالجنون المحقق عنده.
وأضاف الرسول إلى المخاطبين ربئا بنفسه عن أن يكون مقصودا بالخطاب ، وأكد التهكّم والربء بوصفه بالموصول (الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ) فإن مضمون الموصول وصلته هو مضمون (رَسُولَكُمُ) فكان ذكره كالتأكيد ، وتنصيصا على المقصود لزيادة تهييج السامعين كيلا يتأثروا أو يتأثر بعضهم بصدق موسى لأن فرعون يتهيأ لإعداد العدة لمقاومة موسى لعلمه بأن له قوما في مصر ربّما يستنصر بهم.
(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨))
لما رأى موسى سوء فهمهم وعدم اقتناعهم بالاستدلال على الوحدانية بالتكوين المعتاد إذ التبس عليهم الأمر المعتاد بالأمر الذي لا صانع له انتقل موسى إلى ما لا قبل لهم بجحده ولا التباسه وهو التصرف العجيب المشاهد كل يوم مرتين ، كما انتقل إبراهيم