فكيهة الرومي مولى العلاء بن الحضرمي ، وفي «سيرة ابن هشام» أنه مولى صفوان بن أمية بن محرّث ، وجبر مولى عامر. وكان هؤلاء من موالي قريش بمكة ممن دانوا بالنصرانية وكانوا يعرفون شيئا من التوراة والإنجيل ثم أسلموا ، وقد مر ذلك في سورة النحل ، فزعم المشركون أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان يتردد إلى هؤلاء ويستمد منهم أخبار ما في التوراة والإنجيل.
والقصر المستفاد من قوله : (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) متسلط على كلتا الجملتين ، أي لا يخلو هذا القرآن من مجموع الأمرين ، هما : أن يكون افترى بعضه من نفسه ، وأعانه قوم على بعضه.
وفرع على حكاية قولهم هذا ظهور أنهم ارتكبوا بقولهم ظلما وزورا لأنهم حين قالوا ذلك ظهر أن قولهم زور وظلم لأنه اختلاق واعتداء.
و (جاؤُ) مستعمل في معنى (عملوا) وهو مجاز في العناية بالعمل والقصد إليه لأن من اهتم بتحصيل شيء مشى إليه ، وبهذا الاستعمال صح تعديته إلى مفعول كما في هذه الآية.
والظلم : الاعتداء بغير حق بقول أو فعل قال تعالى : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) [ص : ٢٤] وتقدم في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) في سورة البقرة [١١٤]. والظلم الذي أتوه هو نسبتهم الرسول إلى الاختلاق فإنه اعتداء على حقه الذي هو الصدق.
والزور : الكذب ، وأحسن ما قيل في الزور : إنه الكذب المحسّن المموّه بحيث يشتبه بالصدق.
وكون قولهم ذلك كذبا ظاهر لمخالفته الواقع فالقرآن ليس فيه شيء من الإفك ، والذين زعموهم معينين عليه لا يستطيع واحد منهم أن يأتي بكلام عربي بالغ غاية البلاغة والذين زعموهم معينين عليه لا يستطيع واحد منهم أن يأتي بكلام عربي بالغ غاية البلاغة ومرتق إلى حد الإعجاز ، وإذا كان لبعضهم معرفة ببعض أخبار الرسل فما هي إلا معرفة ضئيلة غير محققة كشأن معرفة العامة والدهماء.
(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥))
الضمير عائد إلى الذين كفروا ، فمدلول الصلة مراعى في هذا الضمير إيماء إلى أن