(أَنْ). لأجل التقاء الساكنين. وقرأ الباقون بهمزة قطع وسكون نون (أن) وفعلا سرى وأسرى متحدان كما تقدم في قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) [الإسراء : ١].
[٥٣ ـ ٥٦] (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦))
ظاهر ترتيب الجمل يقتضي أن الفاء للتعقيب على جملة : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى) [الشعراء : ٥٢] وأن بين الجملتين محذوفا تقديره : فأسرى موسى وخرج بهم فأرسل فرعون حاشرين ، أي لما خرج بنو إسرائيل خشي فرعون أن ينتشروا في مدائن مصر فأرسل فرعون في المدائن شرطا يحشرون الناس ليلحقوا بني إسرائيل فيردّوهم إلى المدينة قاعدة الملك.
و (الْمَدائِنِ) : جمع مدينة ، أي البلد العظيم. ومدائن القطر المصري يومئذ كثيرة. منها (مانوفرى أو منفيس) هي اليوم ميت رهينة بالجيزة و (تيبة أو طيبة) هي بالأقصر و (أبودو) وتسمى اليوم العرابة المدفونة ، و (ابو) وهي (بو) وهي ادنو ، و (اون رميسي)، و (أرمنت) و (سنى) وهي أسناء و (ساورت) وهي السيوط ، و (خمونو) وهي الاشمونيين ، و (بامازيت) وهي البهنسا ، و (خسوو) وهي سخا ، و (كاريينا) وهي سد أبي قيرة ، و (سودو) وهي الفيوم ، و (كويتي) وهي قفط.
والتعريف في (الْمَدائِنِ) للاستغراق ، أي في مدائن القطر المصري ، وهو استغراق عرفي ، أي المدائن التي لحكم فرعون أو المظنون وقوعها قرب طريقهم. وكان فرعون وقومه لا يعلمون أين اتجه بنو إسرائيل فأراد أن يتعرض لهم في كل طريق يظن مرورهم به. وكان لا يدري لعلهم توجهوا صوب الشام ، أو صوب الصحراء الغربية ، وما كان يظن أنهم يقصدون شاطئ البحر الأحمر بحر «القلزم» وكان يومئذ يسمى بحر «سوف».
وجملة (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) مقول لقول محذوف لأن (حاشِرِينَ) يتضمن معنى النداء ، أي يقولون إن هؤلاء لشرذمة قليلون.
والإشارة ب (هؤُلاءِ) إلى حاضر في أذهان الناس لأن أمر بني إسرائيل قد شاع في أقطار مصر في تلك المدة التي بين جمع السحرة وبين خروج بني إسرائيل ، وليست الإشارة للسحرة خاصة إذ لا يلتئم ذلك مع القصة.
وفي اسم الإشارة إيماء إلى تحقير لشأنهم أكده التصريح بأنهم شرذمة قليلون.