هنا (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) بقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي).
وعطف (آباؤُكُمُ) على (أَنْتُمْ) لزيادة إظهار قلة اكتراثه بتلك الأصنام مع العلم بأن الأقدمين عبدوها فتضمن ذلك إبطال شبهتهم في استحقاقها العبادة.
ووصف الآباء بالأقدمية إيغال في قلة الاكتراث بتقليدهم لأن عرف الأمم أن الآباء كلما تقادم عهدهم كان تقليدهم آكد.
والفاء في قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) للتفريع على ما اقتضته جملة : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) من التعجيب من شأن عبادتهم إياها. ويجوز جعل الرؤية بصرية لها مفعول واحد وجعل الاستفهام تقريريا والكلام مستعمل في التنبيه لشيء يريد المتكلم الحديث عنه ليعيه السامع حق الوعي ، أو فاء فصيحة بتقدير : إن رأيتموهم فاعلموا أنهم عدوّ لي. وهذا الوجه أظهر.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) منقطع. و (إِلَّا) بمعنى (لكن) إذا كان ربّ العالمين غير مشمول لعبادتهم إذ الظاهر أنهم ما كانوا يعترفون بالخالق ولم يكونوا يجعلون آلهتهم شركاء لله كما هو حال مشركي العرب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] فهو الصنم الأعظم عندهم ، وإلى قوله : (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) [الأنعام : ٨٠]. ويظهر أن الكلدانيين (قوم إبراهيم) لم يكونوا يؤمنون بالخالق الذي لا تدركه الأبصار. وكان أعظم الآلهة عندهم هو كوكب الشمس والصنم الذي يمثل الشمس هو (بعل) ، فوظيفة الأصنام عندهم تدبير شئون الناس في حياتهم. وأما الإيجاد والإعدام فكانوا من الذين يقولون (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] وأن الإيجاد من أعمال التناسل وهم في غفلة عن سر تكوين تلك النظم الحيوانية وإيداعها فيها. وقد يكونون معترفين برب عظيم خالق للأكوان وإنما جعلوا الأصنام شركاء له في التصرف في نظام تلك المخلوقات كما كان حال الإشراك في العرب فيكون الاستثناء متصلا لأنّ الله من جملة معبوديهم ، أي إلا الرب الذي خلق العوالم. وتقدم ذكر أصنام قوم إبراهيم في سورة الأنبياء. وانظر ما يأتي في سورة العنكبوت.
[٧٨ ـ ٨٢] (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢))