الأظهر أن الموصول في موضع نعت ل (رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧] وأنّ (فَهُوَ يَهْدِينِ) عطف على الصلة مفرع عليه لأنه إذا كان هو الخالق فهو الأولى بتدبير مخلوقاته دون أن يتولّاها غيره. ويجوز أن يكون الموصول مبتدأ مستأنفا به ويكون (فَهُوَ يَهْدِينِ) خبرا عن (الَّذِي). وزيدت الفاء في الخبر لمشابهة الموصول للشرط. وعلى الاحتمالين ففي الموصولية إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو الاستدراك بالاستثناء الذي في قوله : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧] ، أي ذلك هو الذي أخلص له لأنه خلقني كقوله في الآية الأخرى : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ٧٩].
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله : (فَهُوَ يَهْدِينِ) دون أن يقول : فيهدين ، لتخصيصه بأنه متولي الهداية دون غيره لأن المقام لإبطال اعتقادهم تصرف أصنامهم بالقصر الإضافي ، وهو قصر قلب. وليس الضمير ضمير فصل لأن ضمير الفصل لا يقع بعد العاطف.
والتعبير بالمضارع في قوله : (يَهْدِينِ) لأن الهداية متجددة له. وجعل فعل الهداية مفرّعا بالفاء على فعل الخلق لأنه معاقب له لأن الهداية بهذا المعنى من مقتضى الخلق لأنها ناشئة عن خلق العقل كما قال تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠]. والمراد بالهداية الدلالة على طرق العلم كما في قوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد : ١٠] فيكون المعنى : الذي خلقني جسدا وعقلا. ومن الهداية المذكورة دفع وساوس الباطل عن العقل حتى يكون إعمال النظر معصوما من الخطأ.
والقول في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) ، وقوله : (فَهُوَ يَشْفِينِ) كالقول في سابقهما للرد على زعمهم أن الأصنام تقدر لهم تيسير ما يأكلون وما يشربون وبها برؤهم إذا مرضوا ، وليسا بضميري فصل أيضا.
وعطف (إِذا مَرِضْتُ) على (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) لأنه لم يكن حين قال ذلك مريضا فإن (إِذا) تخلص الفعل بعدها للمستقبل ، أي إذا طرأ عليّ مرض.
وفي إسناده فعل المرض إلى نفسه تأدب مع الله راعى فيه الإسناد إلى الأسباب الظاهرة في مقام الأدب ، فأسند إحداث المرض إلى ذاته ولأنه المتسبب فيه ، فأما قوله : (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) فلم يأت فيه بما يقتضي الحصر لأنهم لم يكونوا يزعمون أن الأصنام تميت بل عمل الأصنام قاصر على الإعانة أو الإعاقة في أعمال الناس في حياتهم. فأما الموت فهو من فعل الدهر والطبيعة إن كانوا دهريين وإن كانوا يعلمون أن