ذلك في قوله : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤] في قصة موسى المتقدمة.
[٨٣ ـ ٨٩] (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩))
لما كان آخر مقاله في الدعوة إلى الدين الحق متضمنا دعاء بطلب المغفرة تخلص منه إلى الدعاء بما فيه جمع الكمال النفساني بالرسالة وتبليغ دعوة الخلق إلى الله فإن الحجة التي قام بها في قومه بوحي من الله كما قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣] فكان حينئذ في حال قرب من الله. وجهر بذلك في ذلك الجمع لأنه عقب الانتهاء من أقدس واجب وهو الدعوة إلى الدين ، فهو ابتهال أرجى للقبول كالدعاء عقب الصلوات وعند إفطار الصائم ودعاء يوم عرفة والدعاء عند الزحف ، وكلها فراغ من عبادات. ونظير ذلك دعاؤه عند الانتهاء من بناء أساس الكعبة المحكي في قوله تعالى : (إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) إلى قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) إلى (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ١٢٧ ـ ١٢٩] وابتدأ بنفسه في أعمال هذا الدين كما قال تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف :١٤٣] ، وكما أمر رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم إذ قال : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : ١٢].
وللأوليات في الفضائل مرتبة مرغوبة ، قال سعد بن أبي وقاص «أنا أول من رمى بسهم في سبيل الله». وبضد ذلك أوليات المساوئ ففي الحديث : «ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ذلك لأنه أول من سنّ القتل».
وقد قابل إبراهيم في دعائه النعم الخمس التي أنعم الله بها عليه المذكورة في قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) إلى قوله : (يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٧٨ ـ ٨٢] الراجعة إلى مواهب حسية بسؤال خمس نعم راجعة إلى الكمال النفساني كما أومأ إليه قوله : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وأقحم بين طلباته سؤاله المغفرة لأبيه لأن ذلك داخل في قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ).
فابتداء دعائه بأن يعطى حكما. والحكم : هو الحكمة والنبوءة ، قال تعالى عن يوسف : (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [القصص : ١٤] أي النبوءة ، وقد كان إبراهيم حين دعا نبيئا فلذلك كان السؤال طلبا للازدياد لأن مراتب الكمال لا حدّ لها بأن يعطى الرسالة مع