وذكر ما يقال للغاوين للإنحاء عليهم وإظهار حقارة أصنامهم ، فقيل لهم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) وفي الاقتصار على ذكر هذا دون غيره مما يخاطبون به يومئذ مناسبة لمقام طلب الإقلاع عن عبادة تلك الأصنام.
وأسند فعل القول إلى غير معلوم لأن الغرض تعلق بمعرفة القول لا بمعرفة القائل ، فالقائل الملائكة بإذن من الله تعالى لأن المشركين أحقر من أن يوجه الله إليهم خطابه مباشرة.
والاستفهام في قوله : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) استفهام عن تعيين مكان الأصنام إن لم تكن حاضرة ، أو عن عملها إن كانت حاضرة في ذلك الموقف ، تنزيلا لعدم جدواها فيما كانوا يأملونه منها منزلة العدم تهكّما وتوبيخا وتوقيفا على الخطأ.
والاستفهام في (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) كذلك مع الإنكار أن تكون الأصنام نصراء. والانتصار طلب النصير.
وكتب (أَيْنَ ما) في المصاحف موصولة نون (أين) بميم (ما) والمتعارف في الرسم القياسي أن مثله يكتب مفصولا لأن (ما) هنا اسم موصول وليست المزيدة بعد (أين) التي تصير (أين) بزيادتها اسم شرط لعموم الأمكنة ، ورسم المصحف سنة متبعة.
و (أَوْ) للتخيير في التوبيخ والتخطئة ، أي هل أخطأتم في رجاء نصرها إياكم ، أو في الأقل هل تستطيع نصر أنفسها وذلك حين يلقى بالأصنام في النار بمرأى من عبدتها ولذلك قال : (فَكُبْكِبُوا فِيها) ، أي كبكبت الأصنام في جهنم.
ومعنى (فَكُبْكِبُوا) كبّوا فيها كبا بعد كبّ فإنّ كبكبوا مضاعف كبّوا بالتكرير وتكرير اللفظ مفيد تكرير المعنى مثل : كفكف الدمع ، ونظيره في الأسماء : جيش لملم ، أي كثير ، مبالغة في اللّم ، وذلك لأن له فعلا مرادفا له مشتملا على حروفه ولا تضعيف فيه فكان التضعيف في مرادفه لأجل الدلالة على الزيادة في معنى الفعل.
وضمائر (يَنْصُرُونَكُمْ) ـ و ـ (يَنْتَصِرُونَ) ـ و ـ (فَكُبْكِبُوا) عائدة إلى (ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) بتنزيلها منزلة العقلاء. وجنود إبليس : هم أولياؤه وأصناف أهل الضلالات التي هي من وسوسة إبليس. وتقدم الكلام على إبليس في سورة البقرة.
[٩٦ ـ ١٠٢] (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ