و (إِذْ نُسَوِّيكُمْ) ظرف متعلق ب (كُنَّا) أي كنا في ضلال في وقت إنا نسوّيكم برب العالمين. وليست (إِذْ) بموضوعة للتعليل كما توهمه الشيخ أحمد بن علوان التونسي الشهير بالمصري فيما حكاه عنه المقري في «نفح الطيب» في ترجمة أبي جعفر اللّبلي في الباب الخامس من القسم الأول ، وإنما غشي عليه حاصل المعنى المجازي فتوهمه معنى من معاني (إِذْ) ومنه قول النابغة :
فعدّ عما ترى إذ |
|
لا ارتجاع له |
أي حين لا ارتجاع له.
والتسوية : المعادلة والمماثلة ، أي إذ نجعلكم مثل ربّ العالمين ، فالظاهر أنهم جعلوهم مثله مع الاعتراف بالإلهية وهو ظاهر حال إشراكهم كما تقدم في قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧] ، ويحتمل أنهم جعلوه مثله فيما تبين لهم من إلهيته يومئذ إذ كانوا لا يؤمنون بالله أصلا في الدنيا فهي تسوية بالمآل وقد آبوا إلى الاعتراف بما تضمنته كلمة إبراهيم لهم في الدنيا إذ قال لهم (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء:٧٧].
وضمير الخطاب في (نُسَوِّيكُمْ) موجه إلى الأصنام ، وهو من توجيه المتندم الخطاب إلى الشيء الذي لا يعقل وكان سببا في الأمر الذي جرّ إليه الندامة بتنزيله منزلة من يعقل ويسمع. والمقصود من ذلك المبالغة في توبيخ نفسه. ومنه ما روى الغزالي في «الإحياء» : أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق فوجده ممسكا بلسانه بأصبعيه وهو يقول : أنت أوردتني الموارد. وعن ابن مسعود أنه وقف على الصفا يلبّي ويقول : يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم. وهذا أسلوب متّبع في الكلام نثرا ونظما قال أبو تمام :
فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
وصيغ (نُسَوِّيكُمْ) في صيغة المضارع لاستحضار الصورة العجيبة حين يتوجهون إلى الأصنام بالدعاء والنعوت الإلهية.
وقولهم : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) خطاب بعض العامة لبعض. وعنوا بالمجرمين أئمة الكفر الذين ابتدعوا لهم الشرك واختلقوا لهم دينا.
والمناسب أن يكون التعريف في (الْمُجْرِمُونَ) مستعملا في كمال الإجرام فإن من