وعطف قوله : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) على قوله : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فبعد أن أبطل مقتضى طردهم صرح بأنه لا يفعله.
وجملة : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) استئناف في معنى التعليل ، أي لأن وصفي يصرفني عن موافقتكم.
والمبين : من أبان المتعدي بمعنى بيّن ووضّح. والقصر إضافي وهو قصر موصوف على صفة.
وقد تقدم في سورة هود حكاية موقف لنوح عليهالسلام مع قومه شبيه بما حكي هنا وبين الحكايتين اختلاف ما ، فلعلهما موقفان أو هما كلامان في موقف واحد حكي أحدهما هنالك والآخر هنا على عادة قصص القرآن ، فما في إحدى الآيتين من زيادة يحمل على أنه مكمل لما في الأخرى.
[١١٦ ـ ١٢٠] (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠))
لما أعياهم الاستدلال صاروا إلى سلاح المبطلين وهو المناضلة بالأذى.
والرجم : الرمي بالحجارة ، وقد غلب استعماله في القتل به ، و (مِنَ الْمَرْجُومِينَ) يفيد من بين الذين يعاقبون بالرجم ، أي من فئة الدعّار الذين يستحقون الرجم ، كما تقدم في قوله : (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) في سورة الأنعام [٥٦].
وقوله : (إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) تمهيد للدعاء عليهم وهو خبر مستعمل في إنشاء التحسر واليأس من إقلاعهم عن التكذيب.
والفتح : الحكم ، وتأكيده ب (فَتْحاً) لإرادة حكم شديد ، وهو الاستئصال ولذلك أعقبه بالاحتراس بقوله : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
و (الْمَشْحُونِ) : المملوء.
و (ثُمَ) للتراخي الرتبي في الإخبار لأن إغراق أمة كاملة أعظم دلالة على عظيم القدرة من إنجاء طائفة من الناس.