وتقدم ذكر عاد وهود عند قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) في سورة الأعراف [٦٥].
[١٢٨ ـ ١٣٠] (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠))
رأى من قومه تمحّضا للشغل بأمور دنياهم ، وإعراضا عن الفكر في الآخرة والعمل لها والنظر في العاقبة ، وإشراكا مع الله في إلهيته ، وانصرافا عن عبادة الله وحده الذي خلقهم وأعمرهم في الأرض وزادهم قوة على الأمم ، فانصرفت همّاتهم إلى التعاظم والتفاخر واللهو واللعب.
وكانت عاد قد بلغوا مبلغا عظيما من البأس وعظم السلطان والتغلب على البلاد مما أثار قولهم : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥] فقد كانت قبائل العرب تصف الشيء العظيم في نوعه بأنه «عادي» وكانوا أهل رأي سديد ورجاحة أحلام ، قال ودّاك بن ثميل المازني :
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم |
|
ولو نطق العوّار غرب لسان |
وقال النابغة يمدح غسان :
أحلام عاد وأجساد مطهرة |
|
من المعقّة والآفات والإثم |
فطال عليهم الأمد ، وتفننوا في إرضاء الهوى ، وأقبلوا على الملذّات واشتد الغرور بأنفسهم فأضاعوا الجانب الأهم للإنسان وهو جانب الدين وزكاء النفس ، وأهملوا أن يقصدوا من أعمالهم المقاصد النافعة ونية إرضاء الله على أعمالهم لحب الرئاسة والسمعة ، فعبدوا الأصنام ، واستخفوا بجانب الله تعالى ، واستحمقوا الناصحين ، وأرسل الله إليهم هودا ففاتحهم بالتوبيخ على ما فتنوا بالإعجاب به وبذمه إذ ألهاهم التنافس فيه عن معرفة الله فنبذوا اتّباع الشرائع وكذّبوا الرسول. فمن سابق أعمال عاد أنهم كانوا بنوا في طرق أسفارهم أعلاما ومنارات تدل على الطريق كيلا يضلّ السائرون في تلك الرمال المتنقلة التي لا تبقى فيها آثار السائرين واحتفروا وشيّدوا مصانع للمياه وهي الصهاريج تجمع ماء المطر في الشتاء ليشرب منها المسافرون وينتفع بها الحاضرون في زمن قلة الأمطار ، وبنوا حصونا وقصورا على أشراف من الأرض ، وهذا من الأعمال النافعة في ذاتها لأن فيها حفظ الناس من الهلاك في الفيافي بضلال الطرق ، ومن الهلكة عطشا إذا فقدوا الماء وقت الحاجة إليه ، فمتى أريد بها رضى الله تعالى بنفع عبيده كانت جديرة بالثناء عاجلا والثواب آجلا.