والعذاب يجوز أن يريد به عذابا في الدنيا توعدهم الله به على لسانه ، ويجوز أن يريد به عذاب يوم القيامة.
ووصف (يَوْمٍ) ب (عَظِيمٍ) على طريقة المجاز العقلي ، أي عظيم ما يحصل فيه من الأهوال.
[١٣٦ ـ ١٤٠] (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠))
أجابوا بتأييسه من أن يقبلوا إرشاده فجعلوا وعظه وعدمه سواء ، أي هما سواء في انتفاء ما قصده من وعظه وهو امتثالهم.
والهمزة للتسوية. وتقدم بيانها عند قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة البقرة [٦].
والوعظ : التخويف والتحذير من شيء فيه ضر ، والاسم الموعظة. وتقدم في قوله : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) في سورة العقود [٤٦].
ومعنى : (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أم لم تكن في عداد الموصوفين بالواعظين ، أي لم تكن من أهل هذا الوصف في شيء ، وهو أشدّ في نفي الصفة عنه من أن لو قيل : أم لم تعظ ، كما تقدم في قوله تعالى : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في سورة البقرة [٦٧] ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى : (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) في سورة الأنعام [٥٦] ، وتقدم آنفا قوله في قصة نوح (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦].
وجملة : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) تعليل لمضمون جملة : (سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) ، أي كان سواء علينا فلا نتّبع وعظك لأن هذا خلق الأولين. والإشارة ب (هذا) إلى شيء معلوم للفريقين حاصل في مقام دعوة هود إياهم ، وسيأتي بيانه.
وقوله : (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) قرأه نافع وابن كثير وابن عامر وحمزة وعاصم وخلف بضم الخاء وضم اللام. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر ويعقوب بفتح الخاء وسكون اللام.