وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) مفرع مثل نظيره في قصة عاد.
والمراد ب (الْمُسْرِفِينَ) أئمة القوم وكبراؤهم الذين يغرونهم بعبادة الأصنام ويبقونهم في الضلالة استغلالا لجهلهم وليسخروهم لفائدتهم. والإسراف : الإفراط في شيء ، والمراد به هنا الإسراف المذموم كله في المال وفي الكفر ، ووصفهم بأنهم (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ، فالإسراف منوط بالفساد.
وعطف (وَلا يُصْلِحُونَ) على جملة : (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) تأكيد لوقوع الشيء بنفي ضده مثل قوله تعالى : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) [طه : ٧٩] وقول عمرو بن مرة الجهني :
النسب المعروف غير المنكر
يفيد أن فسادهم لا يشوبه صلاح ؛ فكأنه قيل : الذين إنما هم مفسدون في الأرض ، فعدل عن صيغة القصر لئلا يحتمل أنه قصر مبالغة لأن نفي الإصلاح عنهم يؤكد إثبات الإفساد لهم ، فيتقرر ذلك في الذهن ، ويتأكد معنى إفسادهم بنفي ضده كقول السموأل أو الحارثي :
تسيل على حدّ الظبات نفوسنا |
|
وليست على غير الظبات تسيل |
والتعريف في (الْأَرْضِ) تعريف العهد.
[١٥٣ ، ١٥٤] (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤))
أجابوا موعظته بالبهتان فزعموه فقد رشده وتغير حاله واختلقوا أن ذلك من أثر سحر شديد. فالمسحّر : اسم مفعول سحّره إذا سحره سحرا متمكنا منه ، و (مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أبلغ في الاتصاف بالتسحير من أن يقال : إنما أنت مسحّر كما تقدم في قوله : (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦].
ولمّا تضمن قولهم : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) تكذيبهم إياه أيدوا تكذيبه بأنه بشر مثلهم. وذلك في زعمهم ينافي أن يكون رسولا من الله لأن الرسول في زعمهم لا يكون إلا مخلوقا خارقا للعادة كأن يكون ملكا أو جنّيّا. فجملة : (إنّما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) في حكم التأكيد بجملة : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) باعتبار مضمون الجملتين.