إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠))
استئناف تعداد وتكرير كما تقدم في جملة : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٢٣]. ولم يقرن فعل (كَذَّبَ) هذا بعلامة التأنيث لأن (أَصْحابُ) جمع صاحب وهو مذكر معنى ولفظا بخلاف قوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ) [الشعراء : ١٦٠] فإن (قوم) في معنى الجماعة والأمة كما تقدم في قوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٠٥].
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر ليكة بلام مفتوحة بعدها ياء تحتية ساكنة ممنوعا من الصرف للعلمية والتأنيث. وقرأه الباقون (الْأَيْكَةِ) بحرف التعريف بعده همزة مفتوحة وبجر آخره على أنه تعريف عهد لأيكة معروفة. والأيكة : الشجر الملتف وهي الغيضة. وعن أبي عبيد : رأيتها في الإمام مصحف عثمان رضياللهعنه في الحجر وق (الْأَيْكَةِ) وفي الشعراء وص ليكة واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد ذلك ولم تختلف.
وأصحاب ليكة : هم قوم شعيب أو قبيلة منهم. قالوا : وكانت غيضتهم من شجر المقل (بضم الميم وسكون القاف وهو النبق) ويقال له الدّوم (بفتح الدال المهملة وسكون الواو).
وإفرادها بتاء الوحدة على إرادة البقعة واسم الجمع : أيك ، واشتهرت بالأيكة فصارت علما بالغلبة معرفا باللام مثل العقبة. ثم وقع فيه تغيير ليكون علما شخصيا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على لام التعريف وتنوسي معنى التعريف باللام. وعن الزجاج : جاء في التفسير أن اسم المدينة التي أرسل إليها شعيب كان ليكة. وعن أبي عبيد : وجدنا في بعض كتب التفسير أن ليكة اسم القرية والأيكة البلاد كلها كمكة وبكة. وهذا من التغيير لأجل التسمية ، كما سموا شمسا بضم الشين ليكون علما وأصله الشمس علما بالغلبة. والتغيير لأجل النقل إلى العلمية وارد بكثرة ، ذكره ابن جنّي في «شرح مشكل الحماسة» عند قول تأبط شرا :
إني لمهد من ثنائي فقاصد |
|
به لابن عم الصدق شمس بن مالك |
وذكره في «الكشاف» في سورة أبي لهب. وقد تقدم بيانه عند الكلام على البسملة قبل سورة الفاتحة ، فلما صار اسم ليكة علما على البلاد جاز منعه من الصرف لذلك ،