هود.
[١٨١ ـ ١٨٣] (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣))
استئناف من كلامه انتقل به من غرض الدعوة الأصلية بقوله : (أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٧٧] إلى آخره إلى الدعوة التفصيلية بوضع قوانين المعاملة بينهم ، فقد كانوا مع شركهم بالله يطفّفون المكيال والميزان ويبخسون أشياء الناس إذا ابتاعوها منهم ، ويفسدون في الأرض. فأما تطفيف الكيل والميزان فظلم وأكل مال بالباطل ، ولما كان تجارهم قد تمالئوا عليه اضطر الناس إلى التبايع بالتطفيف.
و (أَوْفُوا) أمر بالإيفاء ، أي جعل الشيء وافيا ، أي تاما ، أي اجعلوا الكيل غير ناقص. والمخسر : فاعل الخسارة لغيره ، أي المنقص ، فمعنى (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) لا تكونوا من المطفّفين. وصوغ (مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أبلغ من : لا تكونوا مخسرين. لأنه يدل على الأمر بالتبرّؤ من أهل هذا الصنيع ، كما تقدم آنفا في عدة آيات منها قوله : (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦] في قصة نوح.
والقسطاس : بضم القاف وبكسرها من أسماء العدل ، ومن أسماء الميزان ، وتقدم في قوله تعالى : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) في سورة الإسراء [٣٥] ، حمل على المعنيين هنا كما هنالك وإن كان الوصف ب (الْمُسْتَقِيمِ) يرجح أن المقصود به الميزان ، وتقدم تفصيل ما يرجع إليه هذا التشريع في قصته في الأعراف.
وقرأ الجمهور : (بِالْقِسْطاسِ) بضم القاف. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بكسر القاف.
وبخس أشياء الناس : غبن منافعها وذمّها بغير ما فيها ليضطروهم إلى بيعها بغبن. وأما الفساد فيقع على جميع المعاملات الضارة.
والبخس : النقص والذم. وتقدم في قوله : (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) في سورة البقرة [٢٨٢] ونظيره في سورة الأعراف. وقد تقدم نظير بقية الآية في سورة هود. ومن بخس الأشياء أن يقولوا للذي يعرض سلعة سليمة للبيع : إن سلعتك رديئة ، ليصرف عنها الراغبين فيشتريها برخص.