وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص وأبو جعفر بتخفيف زاي (نَزَلَ) ورفع (الرُّوحُ). وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف (نَزَلَ) بتشديد الزاي ونصب (الرُّوحُ الْأَمِينُ) ، أي نزّله الله به.
و (الرُّوحُ الْأَمِينُ) جبرئيل وهو لقبه في القرآن ، سمّي روحا لأن الملائكة من عالم الروحانيات وهي المجردات. وتقدم الكلام على الروح في سورة الإسراء ، وتقدم (رُوحُ الْقُدُسِ) في البقرة [٨٧]. ونزول جبريل إذن الله تعالى ، فنزوله تنزيل من رب العالمين.
و (الْأَمِينُ) صفة جبريل لأن الله أمنه على وحيه. والباء في قوله : (نَزَلَ بِهِ) للمصاحبة.
والقلب : يطلق على ما به قبول المعلومات كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧] أي إدراك وعقل.
وقوله : (عَلى قَلْبِكَ) يتعلق بفعل (نَزَلَ) ، و (عَلى) للاستعلاء المجازي لأن النزول وصول من مكان عال فهو مقتض استقرار النازل على مكان.
ومعنى نزول جبريل على قلب النبي عليهماالسلام : اتصاله بقوة إدراك النبي لإلقاء الوحي الإلهي في قوّته المتلقّية للكلام الموحى بألفاظه ، ففعل (نزل) حقيقة.
وحرف (عَلى) مستعار للدلالة على التمكن مما سمي بقلب النبي مثل استعارته في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥].
وقد وصف النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك كما في حديث «الصحيحين» عن عائشة رضياللهعنها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول».
وهذان الوصفان خاصّان بوحي نزول القرآن. وثمة وحي من قبيل إبلاغ المعنى وسمّاه النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث آخر نفثا. فقال : «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي أجلها». فهذا اللفظ ليس من القرآن فهو وحي بالمعنى (والروع : العقل) وقد يكون الوحي في رؤيا النوم فإن النبي لا ينام قلبه ، ويكون أيضا بسماع كلام الله من وراء حجاب ، وقد بيّنا في شرح الحديث النكتة في اختصاص إحدى الحالتين ببعض الأوقات.