وأشعر قوله : (عَلى قَلْبِكَ) أن القرآن ألقي في قلبه بألفاظه ، قال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) [العنكبوت : ٤٨].
ومعنى : (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) لتكون من الرسل. واختير من أفعاله النذارة لأنها أخص بغرض السورة فإنها افتتحت بذكر إعراضهم وبإنذارهم.
وفي : (مِنَ الْمُنْذِرِينَ) من المبالغة في تمكن وصف الرسالة منه ما تقدم غير مرة في مثل هذه الصيغة في هذه القصص وغيرها. و (بِلِسانٍ) حال من الضمير المجرور في (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).
والباء للملابسة. واللسان : اللغة ، أي نزل بالقرآن ملابسا للغة عربية مبينة أي كائنا القرآن بلغة عربية.
والمبين : الموضّح الدلالة على المعاني التي يعنيها المتكلم ، فإن لغة العرب أفصح اللغات وأوسعها لاحتمال المعاني الدقيقة الشريفة مع الاختصار ، فإن ما في أساليب نظم كلام العرب من علامات الإعراب ، والتقديم والتأخير ، وغير ذلك ، والحقيقة والمجاز والكناية ، وما في سعة اللغة من الترادف ، وأسماء المعاني المقيّدة ، وما فيها من المحسنات ، ما يلج بالمعاني إلى العقول سهلة متمكنة ، فقدّر الله تعالى هذه اللغة أن تكون هي لغة كتابه الذي خاطب به كافة الناس ، فأنزل بادئ ذي بدء بين العرب أهل ذلك اللسان ومقاويل البيان ثم جعل منهم حملته إلى الأمم تترجم معانيه فصاحتهم وبيانهم ، ويتلقى أساليبه الشادون منهم وولدانهم ، حين أصبحوا أمة واحدة يقوم باتحاد الدين واللغة كيانهم.
[١٩٦ ، ١٩٧] (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧))
عطف على (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٩٢] ، والضمير للقرآن كضمير (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ). وهذا تنويه آخر بالقرآن بأنه تصدقه كتب الأنبياء الأولين بموافقتها لما فيه وخاصة في أخباره عن الأمم وأنبيائها.
وقوله : (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي كتب الرسل السالفين ، أي أن القرآن كائن في كتب الأنبياء السالفين مثل التوراة والإنجيل والزبور ، وكتب الأنبياء التي نعلمها إجمالا. ومعلوم