نصف مسمى درهم فكما يطلق اسم الشيء على معناه نحو (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر : ١٠] وقوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) [مريم : ٤١] أي أحواله ، كذلك يطلق ضمير الاسم على معناه ، فالمعنى : أن ما جاء به القرآن موجود في كتب الأولين. وهذا كقول الإنجيل آنفا «ويذكّركم بكل ما قلته لكم» ، ولا تجد شيئا من كلام المسيح عليهالسلام المسطور في الأناجيل غير المحرف عنه إلا وهو مذكور في القرآن ، فيكون الضمير باعتبار بعضه كقوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] الآية.
والمقصود : أن ذلك آية على صدق أنه من عند الله. وهذا معنى كون القرآن مصدّقا لما بين يديه.
وقوله : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) تنويه ثالث بالقرآن وحجة على التنويه الثاني به الذي هو شهادة كتب الأنبياء له بالصدق ، بأن علماء بني إسرائيل يعلمون ما في القرآن مما يختص بعلمهم ، فباعتبار كون هذه الجملة تنويها آخر بالقرآن عطفت على الجملة التي قبلها ولو لا ذلك لكان مقتضى كونها حجة على صدق القرآن أن لا تعطف.
وفعل : (يَعْلَمَهُ) شامل للعلم بصفة القرآن ، أي تحقق صدق الصفات الموصوف بها من جاء به ، وشامل للعلم بما يتضمنه ما في كتبهم.
وضمير (أَنْ يَعْلَمَهُ) عائد إلى القرآن على تقدير : أن يعلم ذكره. ويجوز أن يعود على الحكم المذكور في قوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ).
[١٩٨ ، ١٩٩] (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩))
كان من جملة مطاعن المشركين في القرآن أنه ليس من عند الله ، ويقولون : تقوله محمد من عند نفسه ، وقالوا (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) [الفرقان : ٥] فدمغهم الله بأن تحدّاهم بالإتيان بمثله فعجزوا.
وقد أظهر الله بهتانهم في هذه الآية بأنهم إنما قالوا ذلك حيث جاءهم بالقرآن رسول عربي ، وأنه لو جاءهم بهذا القرآن رسول أعجمي لا يعرف العربية بأن أوحى الله بهذه الألفاظ إلى رسول لا يفهمها ولا يحسن تأليفها فقرأه عليهم ، وفي قراءته وهو لا يحسن