اللغة أيضا خارق عادة ؛ لو كان ذلك لما آمنوا بأنه رسول مع أن ذلك خارق للعادة فزيادة قوله : (عَلَيْهِمْ) زيادة بيان في خرق العادة. يعني أن المشركين لا يريدون مما يلقونه من المطاعن البحث عن الحق ولكنهم أصروا على التكذيب وطفقوا يتحملون أعذارا لتكذيبهم جحودا للحق وتسترا من اللائمين.
وجملة : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) معطوفة على جملة : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) إلى قوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٥] لأن قوله : (عَلى قَلْبِكَ) أفاد أنه أوتيه من عند الله وأنه ليس من قول النبي لا كما يقول المشركون : تقوّله ، كما أشرنا إليه آنفا.
فلما فرغ من الاستدلال بتعجيزهم فضح نياتهم بأنهم لا يؤمنون به في كل حال ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) كلمات (رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) [يونس : ٩٦ ، ٩٧].
و (الْأَعْجَمِينَ) جمع أعجم. والأعجم : الشديد العجمة ، أي لا يحسن كلمة بالعربية ، وهو هنا مرادف أعجمي بياء النسب فيصح في جمعه على أعجمين اعتبار أنه لا حذف فيه باعتبار جمع أعجم كما قال حميد بن ثور يصف حمامة :
ولم أر مثلي شاقه لفظ مثلها |
|
ولا عربيا شاقه لفظ أعجما |
ويصح اعتبار حذف ياء النسب للتخفيف. وأصله : الأعجميين كما في الشعر المنسوب إلى أبي طالب :
وحيث ينيخ الأشعرون رحالهم |
|
بملقى السيول بين ساف ونائل |
أي الأشعريون ، وعلى هذين الاعتبارين يحمل قول النابغة :
فعودا له غسان يرجون أوبه |
|
وترك ورهط الأعجمين وكابل |
[٢٠٠ ـ ٢٠٣] (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣))
تقدم نظير أول هذه الآية في سورة الحجر [١٢] ، إلّا أن آية الحجر قيل فيها : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) وفي هذه الآية قيل (سَلَكْناهُ) ، والمعنى في الآيتين واحد ، والمقصود منهما واحد ، فوجه اختيار المضارع في آية الحجر أنه دال على التجدد لئلا يتوهم أن