الكمال في نوعه من المقروءات ، والدلالة بالتنكير على معنى تفخيمه بين الكتب كقوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨].
وأما ما في أول سورة الحجر فهو مقام التحسير للكافرين من جراء إعراضهم عن الإسلام فناسب أن يبتدءوا باسم الكتاب المشتق من الكتابة دون القرآن لأنهم بمعزل عن قراءته ولكنه مكتوب ، وحجة عليهم باقية على مر الزمان. وقد تقدم تفصيل ذلك في أول سورة الحجر ، ولهذا عقب هنا ذكر (كِتابٍ مُبِينٍ) بالحال (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [النمل : ٢].
و (مُبِينٍ) اسم فاعل إما من (أبان) القاصر بمعنى (بان) لأن وصفه بأنه بيّن واضح له حظ من التنويه به ما ليس من الوصف بأنه موضّح مبين. فالمبين أفاد معنيين أحدهما : أن شواهد صدقه وإعجازه وهديه لكل متأمل ، وثانيهما : أنه مرشد ومفصّل.
[٢ ، ٣] (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣))
(هُدىً وَبُشْرى) حالان من (كِتابٍ) بعد وصفه ب (مُبِينٍ) [النمل : ١].
وجعل الحال مصدرا للمبالغة بقوة تسببه في الهدى وتبليغه البشرى للمؤمنين.
فالمعنى : أن الهدى للمؤمنين والبشرى حاصلان منه ومستمران من آياته.
والبشرى : اسم للتبشير ، ووصف الكتاب بالهدى والبشرى جار على طريقة المجاز العقلي ، وإنما الهادي والمبشر الله أو الرسول بسبب الكتاب. والعامل في الحال ما في اسم الإشارة من معنى : أشير ، كقوله : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] ، وقد تقدم ما فيه في سورة إبراهيم.
و (لِلْمُؤْمِنِينَ) يتنازعه (هُدىً وَبُشْرى) لأن المؤمنين هم الذين انتفعوا بهديه كقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢].
ووصف المؤمنين بالموصول لتمييزهم عن غيرهم لأنهم عرفوا يومئذ بإقامة الصلاة وإعطاء الصدقات للفقراء والمساكين ، ألا ترى أن الله عرّف الكفار بقوله (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٦ ، ٧] ، ولأن في الصلة إيماء إلى وجه بناء الإخبار عنهم بأنهم على هدى من ربّهم ومفلحون.