و (الزَّكاةَ) : الصدقة لأنها تزكي النفس أو تزكي المال ، أي تزيده بركة. والمراد بالزكاة هنا الصدقة مطلقا أو صدقة واجبة كانت على المسلمين ، وهي مواساة بعضهم بعضا كما دل عليه قوله في صفة المشركين (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [الفجر : ١٧ ، ١٨]. وأما الزكاة المقدرة بالنّصب والمقادير الواجبة على أموال الأغنياء فإنها فرضت بعد الهجرة فليست مرادا هنا لأن هذه السورة مكية.
وجملة : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) عطف على الصلة وليست من الصلة ، ولذلك خولف بين أسلوبها وأسلوب الصلة فأتي له بجملة اسمية اهتماما بمضمونها لأنه باعث على فعل الخيرات ، على أن ضمير (هُمْ) الثاني يجوز أن يعتبر ضمير فصل دالا على القصر ، أي ما يوقن بالآخرة إلا هؤلاء.
والقصر إضافي بالنسبة إلى مجاوريهم من المشركين ، وإلا فإن أهل الكتاب يوقنون بالآخرة ، إلا أنهم غير مقصود حالهم للمخاطبين من الفريقين. وتقديم (بِالْآخِرَةِ) للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بها.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤))
لا محالة يثير كون الكتاب المبين هدى وبشرى للذين يوقنون بالآخرة سؤالا في نفس السامع عن حال أضدادهم الذين لا يوقنون بالآخرة لما ذا لا يهتدون بهدي هذا الكتاب البالغ حدا عظيما في التبين والوضوح. فلا جرم أن يصلح المقام للإخبار عما صرف هؤلاء الأضداد عن الإيمان بالحياة الآخرة فوقع هذا الاستئناف البياني لبيان سبب استمرارهم على ضلالهم. ذلك بأن الله يعلم خبث طواياهم فحرمهم التوفيق ولم يصرف إليهم عناية تنشلهم من كيد الشيطان لحكمة علمها الله من حال ما جبلت عليه نفوسهم ، فوقع هذا الاستئناف بتوابعه موقع الاعتراض بين أخبار التنويه بالقرآن بما سبق ، والتنويه به بمن أنزل عليه بقوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) [النمل : ٦].
وتأكيد الخبر بحرف التوكيد للاهتمام به لأنه بحيث يلتبس على الناس سبب افتراق الناس في تلقي الهدى بين مبادر ومتقاعس ومصرّ على الاستمرار في الضلال. ومجيء المسند إليه موصولا يومئ إلى أن الصلة علة في المسند.
وتزيين تلك الأعمال لهم : تصوّرهم إياها في نفوسهم زينا ، وإسناد التزيين إلى الله تعالى يرجع إلى أمر التكوين ، أي خلقت نفوسهم وعقولهم قابلة للانفعال وقبول ما تراه