الحكيم العليم كأنه قيل : من حكيم أيّ حكيم ، وعليم أيّ عليم.
وفي الوصفين الشريفين مناسبة للمعطوف عليه وللممهّد إليه ، فإن ما في القرآن دليل على حكمة وعلم من أوحى به ، وأن ما يذكر هنا من القصص وما يستخلص منها من المغازي والأمثال والموعظة ، من آثار حكمة وعلم حكيم عليم ، وكذلك ما في ذلك من تثبيت فؤاد الرسول صلىاللهعليهوسلم.
(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧))
قال الزجاج والزمخشري وغيرهما : انتصب (إِذْ) بفعل مضمر تقديره : اذكر ، أي أن (إِذْ) مجرد عن الظرفية مستعمل بمعنى مطلق الوقت ، ونصبه على المفعول به ، أي اذكر قصة زمن قال موسى لأهله ، يعني أنه جار على طريقة (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠].
فالجملة استئناف ابتدائي. ومناسبة موقعها إفادة تنظير تلقي النبيصلىاللهعليهوسلم القرآن بتلقّي موسى عليهالسلام كلام الله إذ نودي (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [النمل : ٩].
وذلك من بديع التخلص إلى ذكر قصص هؤلاء الأنبياء عقب التنويه بالقرآن ، وأنه من لدن حكيم عليم. والمعنى : أن الله يقصّ عليك من أنباء الرسل ما فيه مثل لك ولقومك وما يثبت به فؤادك.
وفي ذلك انتقال لنوع آخر من الإعجاز وهو الإخبار عن المغيبات وهو ما عددناه في الجهة الرابعة من جهات إعجاز القرآن في المقدمة العاشرة من المقدمات.
وجملة : (قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) إلى آخرها تمهيد لجملة (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) [النمل : ٨] إلخ. وزمان قول موسى لأهله هذه المقالة هو وقت اجتلابه للمبادرة بالوحي إليه. فهذه القصة مثل ضربه الله لحال رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع قومه ، ابتدئت بما تقدم رسالة موسى من الأحوال إدماجا للقصة في الموعظة.
والأهل : مراد به زوجه ، ولم يكن معه إلا زوجه وابنان صغيران. والمخاطب بالقول زوجه ، ويكنى عن الزوجة بالأهل. وفي الحديث : «والله ما علمت على أهلي إلا خيرا».
ولم تظهر النار إلا لموسى دون غيره من أهله لأنها لم تكن نارا معتادة ، لكنها من