أنوار عالم الملكوت جلّاه الله لموسى فلا يراه غيره. ويؤيد هذا تأكيده الخبر ب (إن) المشير إلى أن زوجه ترددت في ظهور نار لأنها لم ترها.
والإيناس : الإحساس والشعور بأمر خفي ، فيكون في المرئيات وفي الأصوات كما قال الحارث بن حلزة :
آنست نبأة وأفزعها القنّ |
|
اص عصرا وقد دنا الإمساء |
والمراد بالخبر خبر المكان الذي تلوح منه النار. ولعله ظن أن هنالك بيتا يرجو استضافتهم إياه وأهله تلك الليلة ، وإن لم يكن أهل النار أهل بيت يستضيفون بأن كانوا رجالا مقوين يأت منهم بجمرة نار ليوقد أهله نارا من حطب الطريق للتدفّؤ بها.
والشهاب : الجمر المشتعل. والقبس : جمرة أو شعلة نار تقبس ، أي يؤخذ اشتعالها من نار أخرى ليشعل بها حطب أو ذبالة نار أو غيرهما.
وقرأ الجمهور بإضافة (بِشِهابٍ) إلى (قَبَسٍ) إضافة العام إلى الخاص مثل : خاتم حديد. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بتنوين شهاب ، فيكون قبس بدلا من شهاب أو نعتا له. وتقدم في أول سورة طه.
والاصطلاء : افتعال من الصلي وهو الشيّ بالنار. ودلت صيغة الافتعال أنه محاولة الصلي فصار بمعنى التدفّؤ بوهج النار.
[٨ ـ ١١] (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١))
أنث ضمير (جاءَها) جريا على ما تقدم من تسمية النور نارا بحسب ما لاح لموسى. وتقدم ذكر هذه القصة في سورة طه ، فبنا أن نتعرض هنا لما انفردت به هذه الآيات من المفردات والتراكيب ، فقوله : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) هو بعض ما اقتضاه قوله في طه [١٢] : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) لأن معنى (بُورِكَ) قدّس وزكّي.
وفعل (بارك) يستعمل متعديا ، يقال : باركك الله ، أي جعل لك بركة وتقدم بيان