و (مُقَرَّنِينَ) حال من ضمير (أُلْقُوا) أي مقرّنا بعضهم في بعض كحال الأسرى والمساجين أن يقرن عدد منهم في وثاق واحد ، كما قال تعالى : (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) [ص : ٣٨]. والمقرّن : المقرون ، صيغت له مادة التفعيل للإشارة إلى شدة القرن.
والدعاء : النداء بأعلى الصوت ، والثبور : الهلاك ، أي نادوا : يا ثبورنا ، أو وا ثبوراه بصيغة الندبة ، وعلى كلا الاحتمالين فالنداء كناية عن التمني ، أي تمنوا حلول الهلاك فنادوه كما ينادى من يطلب حضوره ، أو ندبوه كما يندب من يتحسر على فقده ، أي تمنوا الهلاك للاستراحة من فظيع العذاب.
وجملة : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) إلى آخرها مقولة لقول محذوف ، أي يقال لهم ، ووصف الثبور بالكثير إما لكثرة ندائه بالتكرير وهو كناية عن عدم حصول الثبور لأن انتهاء النداء يكون بحضور المنادى ، أو هو يأس يقتضي تكرير التمني أو التحسر.
[١٥ ، ١٦] (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦))
الأمر بالقول يقتضي مخاطبا مقولا له ذلك : فيجوز أن يقصد : قل لهم ، أي للمشركين الذين يسمعون الوعيد والتهديد السابق : «أذلك خير أم الجنة»؟ فالجمل متصلة السياق ، والاستفهام حينئذ للتهكم إذ لا شبهة في كون الجنة الموصوفة خيرا. ويجوز أن يقصد : قل للمؤمنين ، فالجملة معترضة بين آيات الوعيد لمناسبة إبداء البون بين حال المشركين وحال المؤمنين ، والاستفهام حينئذ مستعمل في التلميح والتلطف. وهذا كقوله : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) في سورة الصافات [٦٢].
والإشارة إلى المكان الضيق في جهنم.
و (خَيْرٌ) اسم تفضيل ، وأصله (أخير) بوزن اسم التفضيل فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. والتفضيل على المحمل الأول في موقع الآية مستعمل للتهكم بالمشركين. وعلى المحمل الثاني مستعمل للتمليح في خطاب المؤمنين وإظهار المنة عليهم.
ووصف الموعودين بأنهم متقون على المحمل الأول جار على مقتضى الظاهر ، وعلى المحمل الثاني جار على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير الخطاب ، فوجه العدول إلى الإظهار ما يفيده (الْمُتَّقُونَ) من العموم للمخاطبين ومن