مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥].
وفي فعل (آتَيْنا) ما يؤذن بأنه علم مفاض من عند الله ، لأن الإيتاء أخصّ من علمناه فلذلك استغني هنا عن كلمة (من لدنّا).
وحكاية قولهما (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا) كناية عن تفضيلهما بفضائل غير العلم. ألا ترى إلى قوله : (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) ومنهم أهل العلم وغيرهم ، وتنويه بأنهما شاكران نعمته.
ولأجل ذلك عطف قولهما هذا بالواو دون الفاء لأنه ليس حمدا لمجرد الشكر على إيتاء العلم.
والظاهر أن حكاية قوليهما وقعت بالمعنى ، بأن قال كل واحد منهما : الحمد لله الذي فضلني ، فلما حكي القولان جمع ضمير المتكلم ، ويجوز أن يكون كل واحد شكر الله على منحه ومنح قريبه ، على أنه يكثر استعمال ضمير المتكلم المشارك لا لقصد التعظيم بل لإخفاء المتكلم نفسه بقدر الإمكان تواضعا كما قال سليمان عقب هذا (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ١٦]. وجعلا تفضيلهما على كثير من المؤمنين دون جميع المؤمنين ؛ إمّا لأنهما أرادا بالعباد المؤمنين كلّ من ثبت له هذا الوصف من الماضين وفيهم موسى وهارون ، وكثير من الأفضل والمساوي ، وإمّا لأنهما اقتصدا في العبارة إذ لم يحيطا بمن ناله التفضيل ، وإما لأنهما أرادا بالعباد أهل عصرهما فعبّرا ب (كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ) تواضعا لله. ثم إن كان قولهما هذا جهرا وهو الظاهر كان حجة على أنه يجوز للعالم أن يذكر مرتبته في العلم لفوائد شرعية ترجع إلى أن يحذر الناس من الاغترار بمن ليست له أهلية من أهل الدعوى الكاذبة والجعجعة الجالبة ، وهذا حكم يستنبط من الآية لأن شرع من قبلنا شرع لنا ، وإن قالاه في سرهما لم يكن فيه هذه الحجة.
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦))
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ).
طوى خبر ملك داود وبعض أحواله إلى وفاته لأن المقصود هو قصة سليمان كما قدمناه آنفا. وقد كان داود ملكا على بني إسرائيل ودام ملكه أربعين سنة وتوفي وهو ابن