سماه العرب علم الحكل (بضم الحاء المهملة وسكون الكاف) قال العجاج وقيل ابنه رؤبة :
لو أنني أوتيت علم الحكل |
|
علم سليمان كلام النمل |
أو أنني عمّرت عمر الحسل |
|
أو عمر نوح زمن الفطحل |
كنت رهين هرم أو قتل وعبر عن أصوات الطير بلفظ (مَنْطِقَ) تشبيها له بنطق الإنسان من حيث هو ذو دلالة لسليمان على ما في ضمائر الطير ، فحقيقة المنطق الصوت المشتمل على حروف تدل على معان.
وضمير (عُلِّمْنا) ـ (أُوتِينا) مراد به نفسه ، جاء به على صيغة المتكلم المشارك ؛ إما لقصد التواضع كأنّ جماعة علموا وأوتوا وليس هو وحده كما تقدم في بعض احتمالات قوله تعالى آنفا : (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا) [النمل : ١٥] ، وإما لأنه المناسب لإظهار عظمة الملك ، وفي ذلك تهويل لأمر السلطان عند الرعية ، وقد يكون ذلك من مقتضى السياسة في بعض الأحوال كما أجاب معاوية عمر رضياللهعنهما حين لقيه في جند (وأبهة) ببلاد الشام فقال عمر لمعاوية «أكسرويّة يا معاوية؟ فقال معاوية : إنا في بلاد من ثغور العدوّ فلا يرهبون إلا مثل هذا. فقال عمر : خدعة أريب أو اجتهاد مصيب لا آمرك ولا أنهاك» فترك الأمر لعهدة معاوية وما يتوسمه من أساليب سياسة الأقوام.
والمراد ب (كُلِّ شَيْءٍ) كل شيء من الأشياء المهمة ففي (كُلِّ شَيْءٍ) عمومان عموم (كُلِ) وعموم النكرة وكلاهما هنا عموم عرفي ، ف (كُلِ) مستعملة في الكثرة و (شَيْءٍ) مستعمل في الأشياء المهمة مما له علاقة بمقام سليمان ، وهو كقوله تعالى فيما حكى عن أخبار الهدهد. (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] ، أي كثيرا من النفائس والأموال. وفي كل مقام يحمل على ما يناسب المتحدث عنه.
والتأكيد في (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) بحرف التوكيد ولامه الذي هو في الأصل لام قسم وبضمير الفصل مقصود به تعظيم النعمة أداء للشكر عليها بالمستطاع من العبارة.
و (الْفَضْلُ) : الزيادة من الخير والنفع. و (الْمُبِينُ) : الظاهر الواضح.
[١٧]
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧))