و (أَنْ أَعْمَلَ) عطف على (أَنْ أَشْكُرَ). والإدخال في العباد الصالحين مستعار لجعله واحدا منهم ، فشبه إلحاقه بهم في الصلاح بإدخاله عليهم في زمرتهم ، وسؤاله ذلك مراد به الاستمرار والزيادة من رفع الدرجات لأن لعباد الله الصالحين مراتب كثيرة.
[٢٠ ، ٢١] (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١))
صيغة التفعّل تدل على التكلف ، والتكلف : الطلب. واشتقاق (تَفَقَّدَ) من الفقد يقتضي أن (تَفَقَّدَ) بمعنى طلب الفقد. ولكنهم توسعوا فيه فأطلقوه على طلب معرفة سبب الفقد ، أي معرفة ما أحدثه الفقد في شيء ، فالتفقد : البحث عن الفقد ليعرف بذلك أن الشيء لم ينقص وكان الطير من جملة الجند لأن كثيرا من الطير صالح للانتفاع به في أمور الجند فمنه الحمام الزاجل ، ومنه الهدهد أيضا لمعرفة الماء ، ومنه البزاة والصقور لصيد الملك وجنده ولجلب الطعام للجند من الصيد إذا حل الجند في القفار أو نفد الزاد. وللطير جنود يقومون بشئونها. وتفقد الجند من شعار الملك والأمراء وهو من مقاصد حشر الجنود وتسييرها. والمعنى : تفقّد الطير في جملة ما تفقده ، فقال لمن يلون أمر الطير : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ).
ومن واجبات ولاة الأمور تفقد أحوال الرعية وتفقد العمال ونحوهم بنفسه كما فعل عمر في خروجه إلى الشام سنة سبع عشرة هجرية ، أو بمن يكل إليه ذلك ، فقد جعل عمر محمد بن مسلمة الأنصاري يتفقد العمال.
و (الْهُدْهُدَ) : نوع من الطير وهو ما يقرقر ، وفي رائحته نتن وفوق رأسه قزعة سوداء ، وهو أسود البراثن ، أصفر الأجفان ، يقتات الحبوب والدود ، يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض ، فإذا رفرف على موضع علم أن به ماء ، وهذا سبب اتخاذه في جند سليمان. قال الجاحظ : يزعمون أنه هو الذي كان يدل سليمان على مواضع الماء في قعور الأرضين إذا أراد استنباط شيء منها.
وقوله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) استفهام عن شيء حصل له في حال عدم رؤيته الهدهد ، ف (ما) استفهام. واللام من قوله : (لِيَ) للاختصاص. والمجرور باللام خبر عن (ما) الاستفهامية. والتقدير : ما الأمر الذي كان لي.
وجملة : (لا أَرَى الْهُدْهُدَ) في موضع الحال من ياء المتكلم المجرورة باللام ،