يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦))
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ).
الفاء لتفريع الحكاية عطفت جملة على جملة وضمير (فَمَكَثَ) للهدهد.
والمكث : البقاء في المكان وملازمته زمنا ما ، وفعله من باب كرم ونصر. وقرأه الجمهور بالأول. وقرأ عاصم وروح عن يعقوب بالثاني.
وأطلق المكث هنا على البطء لأنّ الهدهد لم يكن ماكثا بمكان ولكنه كان يطير وينتقل ، فأطلق المكث على البطء مجاز مرسل لأن المكث يستلزم زمنا.
و (غَيْرَ بَعِيدٍ) صفة لاسم زمن أو اسم مكان محذوف منصوب على الظرفية ، أي مكث زمنا غير بعيد ، أو في مكان غير بعيد ، وكلا المعنيين يقتضي أنه رجع إلى سليمان بعد زمن قليل.
و (غَيْرَ بَعِيدٍ) قريب قربا يوصف بضد البعد ، أي يوشك أن يكون بعيدا. وهذا وجه إيثار التعبير ب (غَيْرَ بَعِيدٍ) لأن (غَيْرَ) تفيد دفع توهم أن يكون بعيدا ، وإنما يتوهم ذلك إذا كان القرب يشبه البعد.
والبعد والقرب حقيقتهما من أوصاف المكان ويستعاران لقلة الحصة بتشبيه الزمن القصير بالمكان القريب وشاع ذلك حتى ساوى الحقيقة قال تعالى : (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود : ٨٩].
والفاء في (فَقالَ) عاطفة على «مكث» وجعل القول عقيب المكث لأنه لما حضر صدر القول من جهته فالتعقيب حقيقي.
والقول المسند إلى الهدهد إن حمل على حقيقة القول وهو الكلام الذي من شأنه أن ينطق به الناس ، فقول الهدهد هذا ليس من دلالة منطق الطير الذي علّمه سليمان لأن ذلك هو المنطق الدال على ما في نفوس الطير من المدركات وهي محدودة كما قدمنا بيانه عند قوله تعالى : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) [النمل : ١٦]. وليس للهدهد قبل بإدراك ما اشتمل عليه