تفرقوا كما سيأتي في سورة سبأ. وأطلق هذا الاسم هنا على ديارهم لأن (مِنْ) ابتدائية وهي لابتداء الأمكنة غالبا.
فاسم (سَبَإٍ) غلب على القبيلة المتناسلة من سبأ المذكور وهم من الجذم القحطاني المعروف بالعرب المستعربة ، أي الذين لم ينشئوا في بلاد العرب ولكنهم نزحوا من العراق إلى بلاد العرب ، وأول نازح منهم هو يعرب (بفتح التحتية وضم الراء) بن قحطان (وبالعبرانية يقطان) بن عابر بن شالخ بن أرفخشد (وبالعبرانية أرفكشاد) بن سام بن نوح. وهذا النسب يتفق مع ما في سفر التكوين من سام إلى عابر ، فمن عابر يفترق نسب القحطانيين من نسب العبرانيين ؛ فأما أهل أنساب العرب فيجعلون لعابر ابنين أحدهما اسمه قحطان والآخر اسمه (فالغ). وأما سفر التكوين فيجعل أنّ أحدهما اسمه (يقطن) ولا شك أنه المسمى عند العرب قحطان ، والآخر اسمه (فالج) بفاء في أوله وجيم في آخره ، فوقع تغيير في بعض حروف الاسمين لاختلاف اللغتين.
ولما انتقل يعرب سكن جنوب البلاد العربية (اليمن) فاستقر بموضع بنى فيه مدينة ظفار (بفتح الظاء المشالة المعجمة وكسر الراء) فهي أول مدينة في بلاد اليمن وانتشر أبناؤه في بلاد الجنوب الذي على البحر وهو بلاد (حضرموت) ثم بنى ابنه يشجب (بفتح التحتية وضم الجيم) مدينة صنعاء وسمى البلاد باليمن ، ثم خلفه ابنه عبّشمس (بتشديد الموحدة ومعناه ضوء الشمس) وساد قومه ولقب سبأ (بفتحتين وهمزة في آخره) واستقل بأهله فبنى مدينة مأرب حاضرة سبأ ، قال النابغة الجعدي :
من سبأ الحاضرين مأرب إذ |
|
يبنون من دون سيله العرما |
وبين مأرب وصنعاء مسيرة ثلاث مراحل خفيفة.
ثم جاء بعد سبأ ابنه حمير ويلقب العرنجج (أي العتيق) ، ويظهر أنه جعل بلاده ظفار بعد أن انتقل أبناء يشجب منها إلى صنعاء. وفي المثل : من ظفّر حمّر ، أي من دخل ظفار فليتكلم بالحميرية ، ولهذا المثل قصة.
فكانت البلاد اليمنية أو القحطانية منقسمة إلى ثلاث قبائل : اليمنية ، والسبئية ، والحميرية. وكان على كل قبيلة ملك منها ، واستقلّت أفخاذهم بمواقع أطلقوا على الواحد منها اسم مخلاف (بكسر الميم) وكان لكل مخلاف رئيس يلقب بالقيل ويقال له : ذو كذا ، بالإضافة إلى اسم مخلافه ، مثل ذو رعين. والملك الذي تتبعه الأقيال كلها ويحكم اليمن