واتخذ للمراسلة وسيلة الطير الزاجل من حمام ونحوه ، فالهدهد من فصيلة الحمام وهو قابل للتدجين ، فقوله : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) يقتضي كلاما محذوفا وهو أن سليمان فكر في الاتصال بين مملكته وبين مملكة سبأ فأحضر كتابا وحمّله الهدهد.
وتقدم القول على (ما ذا) عند قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) في سورة النحل [٢٤]. وفعل انظر معلق عن العمل بالاستفهام.
والإلقاء : الرمي إلى الأرض. وتقدم في قوله تعالى : (وَأَلْقُوهُ فِي) غيابات الجب في سورة يوسف [١٠] وهو هنا مستعمل إمّا في حقيقته إن كان شأن الهدهد أن يصل إلى المكان فيرمي الكتاب من منقاره ، وإما في مجازه إن كان يدخل المكان المرسل إليه فيتناول أصحابه الرسالة من رجله التي تربط فيها الرسالة فيكون الإلقاء مثل قوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) في سورة النحل [٨٦].
والمراد بالرّجع : رجع الجواب عن الكتاب ، أي من قبول أو رفض. وهذا كقوله الآتي: (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) [النمل : ٣٣].
[٢٩ ـ ٣١] (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١))
طويت أخبار كثيرة دل عليها ما بين الخبرين المذكورين من اقتضاء عدة أحداث ، إذ التقدير : فذهب الهدهد إلى سبأ فرمى بالكتاب فأبلغ الكتاب إلى الملكة وهي في مجلس ملكها فقرأته ، قالت : يا أيها الملأ إلخ.
وجملة : (قالَتْ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن غرابة قصة إلقاء الكتاب إليها يثير سؤالا عن شأنها حين بلغها الكتاب.
و (الْمَلَأُ) : الجماعة من أشراف القوم وهم أهل مجلسها. وظاهر قولها : (أُلْقِيَ إِلَيَ) أن الكتاب سلّم إليها دون حضور أهل مجلسها. وتقدم غير مرة وذلك أن يكون نظام بلاطها أن تسلم الرسائل إليها رأسا. والإلقاء تقدم آنفا.
ووصف الكتاب بالكريم ينصرف إلى نفاسته في جنسه كما تقدم عند قوله تعالى : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في سورة الأنفال [٧٤] ؛ بأن كان نفيس الصحيفة نفيس التخطيط